تونس - أ ف ب - تسرق التونسيات بعض الوقت للإسراع إلى فضاءات التجميل بهدف الاعتناء بمظهرهن والاستمتاع بلحظات استرخاء، ولو لفترة وجيزة، قبل أن يحل موعد حظر التجول الذي فرضته السلطات التونسية منذ 7 أيار (مايو) الجاري. ولم يسلم صالون عماد للتزيين النسائي، في العاصمة التونسية، من آثار أحداث العنف الأخيرة. إذ يروي عماد، الذي درس فنون التزيين في باريس في سبعينات القرن الماضي، كيف يسرع إلى إنزال الستار حالما يسمع ضجيجاً في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي، المحاذي للمحل، والذي شكل مركزاً للاحتجاجات التي انطلقت من الجنوب التونسي في 17 كانون الأول (ديسمبر) الماضي لتعمّ مختلف المدن التونسية وتطيح بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني (يناير) 2011. وفي صالونه المتواضع، المزين داخله بعناقيد عنب اصطناعية، وقد علّقت على جدرانه صور لتصفيفات مختلفة للشعر، يقول عماد: «على رغم تجربتي الطويلة في هذا الميدان لم أحصل على كسب كثير»، مقارناً نفسه بليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، «فهي أيضاً تعلمت فنون الحلاقة في مدينة بال فيل الفرنسية، ودرست العلوم السياسية، قبل أن تنهب البلاد». وفي هذه الأثناء، تدخل صحافية تونسية طالبة تسريح شعرها بسرعة، لأنها على عجلة من أمرها، وتخرج بعد قليل إلى الشارع الذي تكدّست فيه القمامة نتيجة إضراب عمال النظافة في المحافظة. وتقول إحدى العاملات، وهي محجبة، إنها معجبة بموقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي، مضيفة أنها تتابع عن كثب الأوضاع الأمنية في البلاد التي كانت مسرحاً لعمليات نهب وعنف واعتداءات على الممتلكات العامة والخاصة والأشخاص، ما دفع بالسلطات التونسية إلى إعلان منع التجول اعتباراً من 7 الجاري، في العاصمة تونس وضاحيتها، بين الساعة التاسعة مساء والخامسة صباحاً، ولفترة زمنية غير محددة. وفي زاوية صالون التزيين، لم تكف موظفة أخرى عن الاتصال بزوجها كي يأتي ويصطحبها إلى المنزل قبل أن يحل الليل، غير مبالية بصاحب المحل المتابع لتحركاتها، ولا حتى بتوسلات الزبونة التي تطالب بخفض حرارة مجفف الشعر. وتسعى سهى (40 سنة) إلى الحفاظ على جمالها، «فعلى رغم الضغط اليومي والاضطرابات وحظر التجول، أسرق بعض الوقت للاهتمام بمظهري كي أبقى فاتنة. فأنا لا أريد لزوجي أن ينظر إلى أخريات». وفي سياق متصل تقول اختصاصية التجميل، زينب يعيش، إن «طلبات زبائنها من النساء أصبحت تقتصر على تقليم الأظافر أو تنظيف البشرة، وفي وقت قياسي، خوفاً من التأخير حتى ما بعد موعد حظر التجول». أما النساء الأخريات فيكتفين «بتجفيف الشعر»، كما تقول لطيفة، وهي صاحبة محل تزيين نسائي في الضاحية الشمالية للعاصمة، وتضيف أن «النساء خائفات من أن يعترضهن قطاع طرق». وتشتكي مريم، التي تشرف على مركز تجميل، «من انخفاض عدد الزبائن بنسبة 50 في المئة منذ فرض حظر التجول»، فغالبيتهن «تقطن بعيداً، وتعزف عن الماكياج نتيجة غياب السهرات الليلية وتأجيل عدد كبير من حفلات الزفاف». وتتابع: «كنت أزيّن عروسين أو ثلاثاً يومياً، في مثل هذا الوقت من السنة. أما اليوم، فالعروس تريد أن تكون جاهزة قبل الساعة الثانية عصراً... أصبحنا في سباق مع الوقت». وفي ظل هذه الأوضاع، يقيم التونسيون الآن حفلات الزفاف ما بين الساعة التاسعة ومنتصف الليل. ومن جهة ثانية، تلجأ بعض النساء إلى وصفات تقليدية، كنقع الشعر وتنعيمه بزيت الزيتون، أو استخدام خليط من أوراق شجرة التين الشوكي وماء الورد كقناع للوجه، «نظراً لضيق الأحوال الاقتصادية»، على ما تقول الصحافية سهى. ومع اقتراب الساعة التاسعة مساء، يخلو شارع الحبيب بورقيبة من المارة، ويخيم عليه سكون مطبق يقطعه بين الفينة والأخرى نباح كلاب شاردة.