تحولت الأمسية التي نظمها المقهى الثقافي في جمعية الثقافة والفنون بالباحة، مساء الأحد الماضي، مشهداً كرنفالياً تجاورت فيه قصيدة النثر مع التفعيلة، واتحد فيه الفصيح مع الشعبي والزجلي، وتناوبت مواهب تقديم قصائد لافتة مثيرة للجدل. وسجّل الشاعر عبدالله الهمل أول حضور مميز له بتجربته اللافتة في كتابة قصيدة النثر، إذ ألقى نص «محبرةٌ تكفي»، جاء فيها: حينَ حاولتُ الضّحكَ أندسّ الحزنُ تحتَ ضرسِي، حاولتُ البكاءَ أجهَشت ابتلعته أفقياً، هشّمَ جدارَ الحنجُرة، ذاتَ ظلامٍ ذاتَ عُزلةٍ وجدتُ قلمي يُحدقُّ في البياض، يشتهي بسبابةٍ مبتورةٍ ودمٍ يسيل، يُفتشُ الصلعَ اللامع بحذر عن شيءٍ يُكتَب كان خائفاً أن تسقطَ بعضَ حروفهِ المعلقة بخيطٍ رفيعٍ لن يتمكنَ من التقاطها، منتفخاً كنتُ بحجمِ الأسئلةِ كسولاً بإرادةِ النومِ البغيض، المحبرةُ أمامي بشهوةٍ اعترتني قررتُ أن أنزعَ ملابسي القطنية ال ليست فاخرةً». فيما قدم الشاعر عبدالعزيز أبو لسة في تجربة المشاركات المنبرية الأولى نصوصاً، نختار منها هذا المقطع: أبي قال لي لا تفرّط بأرضك، تناول عشاءك بعد صلاة العشاء ونم، وإن أذّن الفجر قم فعصفورة الحقل قامت وصلت وراحت تفتش عنك راحت تغرد رغم الثلوج ورغم المطر، أبي عندما يجد الوقت يسمع صوت العرب وينصت ليلاً لبوح نجوم القرى للقمر، أبي كان شيئاً جميلاً أحب لآخر لحظة وعلق صورته فوق أغنية من سفر». كما شارك عدد من الشعراء الشعبيين بقصائد احتفائية بعودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من رحلته العلاجية منهم، ومنهم لاحق الغامدي، وعلي عيضة الزهراني، وفهد أحمد غنيم» وكان لفرقة فنون الباحة بقيادة الفنان الشاب خميس أحمد الزهراني فصل الختام بتقديم عدد من الأغاني الفلكلورية. من جانبه، لم يتردد الدكتور محمد الجزار في وصف الليلة باللافتة مضيفاً في تعليقه على الأمسية، «من الممكن بل من السهل تماماً أن يكتب شاعر قصيدة مترعة بالوجدان والانتماء الوطني، لكن من غير الممكن دائماً أن تكون القصيدة حديثة ومشحونة بالإحساس العميق في اللحظة ذاتها»، مؤملاً من الشعراء «العودة مجدداً للقراء وتأمل التجارب ومنها تجربة وديع سعادة». فيما كشف رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الباحة الدكتور سعيد الجعيدي عن عقد شراكة أدبي بين قسم اللغة العربية والمقهى الثقافي لتحقيق منهج مثاقفة، لافتاً إلى أن قصيدة النثر «تحقق تراكمية مع مرور الوقت خصوصاً في التجارب الشابة»، مبدياً إعجابه «بالتمازج بين الشعر والموسيقى والزجل والشعر الشعبي، كون مقهى جمعية الثقافة والفنون معني بها جميعاً». من جهته، امتدح الناقد الدكتور جمعان عبدالكريم تجربة الشاعرين «كونها المشاركة الأولى في منصة منبرية»، مؤكداً أن «تفاوت تجارب الشعراء بحسب نوعية وخلفية ما يكتبون». فيما عاد الشاعر عبدالله الهمل للدفاع عن قصيدة النثر، لافتاً إلى أنها مظلومة طربياً، مشيراً إلى أنها حين تُغنى وتقدم عبر حناجر المطربين ستجد رواجاً بين الناس.