تواجه جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر مأزقاً كبيراً، على خلفية اعتزامها إطلاق حزبها الأول تحت اسم «الحرية والعدالة»، ففي وقت أكدت الجماعة الفصل بينها وبين الحزب الوليد، يعتري قادتها قلق متزايد من «اختطاف» الحزب عندما يُسمح بقبول أعضاء من خارج الحركة الإسلامية، واحتمال أن تأتي الانتخابات الداخلية بشخصيات من خارج الجماعة إلى القيادة العليا للحزب. ويُنتظر أن يثير برنامج «الحرية والعدالة» المتوقع قريباً، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، بسبب تمسك «الإخوان» برفض ترشيح الأقباط والنساء لرئاسة مصر. وكشف قيادي في «الإخوان» طلب عدم نشر اسمه، أن «الجماعة تبحث في وضع قيود على ترشيح قيادات الحزب، لكنها في الوقت ذاته لا تريد قصر العضوية على أعضائها، وهنا يكمن المأزق». وقال ل «الحياة»: «لدينا مئات من طلبات عضوية الحزب الجديد من غير المنتمين إلى الإخوان المسلمين، فبعض الشخصيات تلحظ صعود نجم الإخوان في الفترة الأخيرة، لذلك أقبلت على الدخول في الحزب». وأوضح أن «قيادات الإخوان لديها قلق متنام من اختطاف الحزب من قبل هؤلاء... إذا فتحت الجماعة الباب واسعاً أمام قبول العضوية، فمن الممكن أن يأتي يوم وتجد نفسها أمام انقلابات، حين تأتي الانتخابات الداخلية بأشخاص من غير المنتمين إلى الإخوان إلى سدة القيادة، وساعتها تفقد السيطرة على الأمور». وكان مرشد «الإخوان» الدكتور محمد بديع كشف في 21 شباط (فبراير) الماضي الستار عن حزب الجماعة المرتقب، في خطوة رسخت تخلص الجماعة من وصمة «الحظر» واتجاهها نحو الاندماج في اللعبة السياسية العلنية. وأكد أن هذه الخطوة «تأتي اتساقاً مع توجهات الجماعة وسياساتها، التي تقضي بأن تُنشئ حزباً سياسياً يلبي رغبات الشعب المصري وطموحاته». وأكد وكيل مؤسسي الحزب عضو مكتب إرشاد «الإخوان» سعد الكتاتني ل «الحياة»، أن «الجماعة جاهزة لتقديم أوراق الحزب، حتى ننطلق بعدها في العمل السياسي»، مشيراً إلى أن «الشروط التي يضعها قانون الأحزاب المعدَّل الذي يصدره المجلس العسكري خلال ساعات لا تعيقنا، فكل الشروط مستوفاة لدينا». وشدد على أن الحزب «مدني ولا يقوم على أساس ديني... ومرشحو الجماعة سيخوضون الانتخابات التشريعية المقبلة تحت لافتة حزب الحرية والعدالة، لا كمستقلين مثلما كان يحدث في الاستحقاقات الماضية». ويَشترط القانون المعدَّل، الذي أقره مجلس الوزراء أول من أمس وأحاله على المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد لإصداره بمرسوم قانون، «عدمَ تعارض الحزب مع المبادئ الأساسية للدستور، أو مقتضيات حماية الأمن القومي المصري، أو الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الديموقراطي». ويحظر «قيام الحزب على أسس التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، أو «إقامة أي نوع من التشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية، وعدم قيام الحزب كفرع لحزب أو تنظيم سياسي أجنبي». واشترط أيضاً أن تتضمن أوراق تأسيس الحزب توقيع ألف عضو مؤسس «على أن يكونوا من عشر محافظات على الأقل، بما لا يقل عن عشرين عضواً من كل محافظة». وأشار الكتاتني إلى أن جماعته «ملتزمة الشروط التي وضعها القانون... وننتظر إقراره رسمياً حتى نتمكن من تقديم أوراقنا إلى لجنة شؤون الأحزاب». وطرأ على اللجنة في القانون المعدل تغييرات في تشكيلتها، إذ باتت مشكَّلة بالكامل من قضاة، بعدما كانت برئاسة رئيس مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) وعضوية وزراء الداخلية والعدل والشؤون القانونية. ولفت وكيل المؤسسين إلى أن برنامج الحزب «في طور الإعداد النهائي»، مشيراً إلى أن «لجاناً تعكف الآن على مراجعات طفيفة قبل عرضه على مكتب إرشاد الإخوان ومجلس الشورى العام لإقراره». وبحسب مصادر في «الإخوان»، فإن تلك اللجان تضم خبراء قانون وسياسيين وأعضاء في شعب التنمية والموارد، وكلهم من أعضاء الجماعة. ولم تجر تعديلات جوهرية على برنامج «الحرية والعدالة»، سوى إلغاء «مجلس العلماء» الذي كانت الجماعة توكل إليه في برنامجها «مراجعة القوانين التي تصدر من البرلمان لضمان عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية، وانتخاب شيخ الأزهر»، لكن يد التعديل لم تطل رفض «الإخوان» ترشيح الأقباط والنساء لرئاسة الجمهورية، وهو رفض كان أثار جدلاً واسعاً حين أعلنت الجماعة البرنامج للمرة الأولى في العام 2007. ويتوقع أن يتجدد الجدل عندما يعلن البرنامج رسمياً، خصوصاً أن علاقة «الإخوان» بقوى المعارضة المدنية والأقباط مرت بحال من الاستقطاب خلال الأيام التي سبقت إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية السبت الماضي. وسيتضمن البرنامج رؤية «الإخوان» في الشأن الاقتصادي والسياسي، ومواقفها من التعهدات والمواثيق الدولية. ومن المرجح أن تتعهد الجماعة التزام اتفاق السلام مع إسرائيل «إذا حدث توافق شعبي عليه».