أعطت قمة باريس التي ضمت دول التحالف المشاركة في فرض الحظر الجوي على ليبيا، وبينها خمس دول عربية، الضوء الأخضر أمس لبدء العمليات ضد قوات العقيد معمر القذافي. وفي حين باشرت طائرات فرنسية ضرب دبابات وآليات موالية للزعيم الليبي في شرق البلاد، انطلقت صواريخ «كروز» أميركية من طراز «توماهوك» ليلاً لضرب منظومة الصواريخ الدفاعية الليبية، وسمع دوي انفجاراتها في شرق طرابلس يعتقد بانها استهدفت قواعد عسكرية. كما انضمت بريطانيا ليلاً الى المشاركة في العمليات. وكان نهار أمس بدأ على وقع مفاجأة «من العيار الثقيل» فجّرتها قوات القذافي التي دخلت مشارف مدينة بنغازي، عاصمة الشرق ومعقل المتمردين، حيث دارت مواجهات عنيفة مع الثوار الذي أعلنوا نجاحهم في التصدي للهجوم. ولوحظ أن روسيا التي امتنعت عن التصويت في قرار الترخيص بالعمل العسكري في مجلس الأمن يوم الخميس، أعلنت بعد الظهر، على لسان ناطق باسم وزارة الخارجية، أنها تأسف لقرار قوى غربية «باتخاذ عمل عسكري في ليبيا». في حين قال ناطق باسم البنتاغون أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أرجأ سفره لروسيا يوماً واحداً لمتابعة الأحداث في ليبيا. وأكد مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية أن الطائرات الحربية الفرنسية دمّرت بعض الدبابات والمركبات المدرعة التابعة للقذافي في منطقة العمليات التي تنحصر حالياً في شرق البلاد، وعلى مسافة تراوح بين 100 و150 كلم خول بنغازي. ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤولين أميركيين على إطلاع على مجريات العمليات ضد ليبيا إن السفن والطائرات الأميركية المتمركزة في منطقة المتوسط لم تشارك في الهجوم الأولي الذي باشرته الطائرات الفرنسية، لكنهما قالا إن الولاياتالمتحدة تستعد لشن هجمات بالصواريخ لتدمير الدفاعات الصاروخية الليبية. وقال أحد هذين المسؤولين إن الولاياتالمتحدة تنوي أن تحد تدخلها، على الأقل في المرحلة الأولية، بمساعدة الفرنسيين والطائرات الأخرى المشاركة في العمليات من خلال إزالة الخطر الذي تُشكّله ضدها منظومة الدفاع الجوي الليبي. ومن المقرر أن تضرب الولاياتالمتحدة هذه المنظمة بصواريخ كروز ليل السبت. وتحدث المسؤولان الأميركيان شرط عدم كشف اسميهما لحساسية العمليات العسكرية. وقال أحد هذين المسؤولين إنه قياساً على طريقة رد القوات الليبية على الطائرات الفرنسية سيتقرر كيف ستسير الأوضاع. لكنه قال إن الأميركيين ينوون أن يتركوا لدول أخرى مهمة فرض الحظر الجوي فوق ليبيا بعد أن يكونوا هم قد دمّروا الدفاعات الليبية. وأعلن ناطق باسم وزارة الدفاع الفرنسية بدء العمليات العسكرية في ليبيا رسميا، بمشاركة نحو 20 طائرة حربية وثلاث فرقاطات، بحسب ما أعلنت هيئة الأركان. وقال إنه بناء على قرار الرئيس نيكولا ساركوزي طلب وزير الدفاع جيرار لونغيه من القوات المسلحة العمل على تطبيق القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن. وذكر أن الطائرات الحربية الفرنسية تتولى تنفيذ نوعين من العمليات، الأول يقضي بحماية المدنيين بموجب ما نص عليه القرار الدولي من حظر جوي، والثاني يقضي بتدمير أي آليات تتعرض للمدنيين. وأوضح أن العمليات التي بدأت فرنسية بحت ستشهد تحولاً على مدى الأيام المقبلة بعد أن تحدد كل دولة ما تريد وضعه من إمكانات في إطار تنفيذ القرار. وقال الناطق باسم هيئة أركان الجيش الفرنسي تييري بوركهارت، من جانبه، إن بدء العمليات العسكرية على ليبيا استدعى استنفار عدد من القواعد العسكرية الفرنسية، ومنها قاعدة سان ديزييه حيث تتواجد طائرات من نوع «رافال» والقاعدة 133 في مدينة نانسي حيث تتواجد طائرات من نوع «ميراج د 2000» والقاعدة 102 في ديجون حيث طائرات ال «ميراج ه - 2000». كما استوجب ذلك، وفقاً لبوركهارت، تأمين وسائل الإسناد لهذه الطائرات، من خلال قاعدة إيستر حيث تتواجد طائرات من نوع «سي 135» وطائرات «أواكس»، في حين أن الدعم اللوجيستي تتولاه قاعدتا إيفرو وأورليان. وذكر أن سلاح البحرية الفرنسي كان أرسل فرقاطتين إلى عرض السواحل الليبية وستنضم إليهما فرقاطة ثالثة، وأيضاً سفينة تزويد بالوقود، فيما تتوجه حاملة الطائرات «شارل ديغول» بدورها إلى المنطقة. وفصّل بداية العمليات بالقول إنها شملت 20 طائرة حربية، منها 4 طائرات من نوع «رافال» أقلعت صباحاً من سان ديزييه لتأمين السيطرة على الأجواء والحؤول دون دخول أي طائرة ليبية إلى منطقة الحظر الجوي. ولفت الى أن طائرة «الأواكس» الموجودة في المنطقة منذ بضعة أيام تتولى قيادة ومراقبة العمليات. وأضاف أن 4 طائرات «رافال» تتولى أعمال الاستطلاع، في حين أن طائرتي «ميراج» أقلعتا بعد الظهر من نانسي وانضمتا إلى طائرتين من النوع نفسه اقلعتا من ديجون لتولي مهمة مواجهة أي آليات تتعرض للمدنيين. ومضى يقول إن طائرتي «رافال» مزودتين بصواريخ جو - أرض أقلعتا بدورهما من سان ديزييه، وإن كل هذه الطائرات بلغت الأجواء الليبية، لافتاً إلى أنها تعمل على مسافة تبعد أكثر من 500 كيلومتر عن قواعدها. وعلم ليلاً ان حشوداً توجهت الى باب العزيزية حيث يتخذ القذافي مقراً له. وشاركت خمس دول عربية في قمة باريس التي أعطت الضوء الأخضر لبدء الهجوم على ليبيا. وفي حين قال الأمين العام للجامعة العربية ل «الحياة» إن المطلوب تنفيذ قرار مجلس الأمن «بحذافيره» رافضاً «اي احتلال لليبيا»، شدد وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ل «الحياة» على أن «حضورنا هذا الاجتماع في باريس كان بسبب الالتزام الذي قدّمته الجامعة العربية وصدور قرار بالإجماع بدعم منطقة حظر الطيران وحماية المدنيين في ليبيا. هذا هو الأساس في هذه المشاركة. كما أن العراق شارك أيضاً لأنه رئيس القمة العربية المقبلة». وتابع: «لقد أوضحنا في الاجتماع التجربة العراقية العام 1991 وقلنا إن ما يحصل في ليبيا حالياً هو وضع مشابه لما حدث في العراق قبل 20 سنة عندما فُرضت منطقتا حظر للطيران في الشمال والجنوب وتم قمع الانتفاضة (التي نشب ضد الرئيس السابق صدام حسين)». وأوضح أنه أكدنا ما قاله الأمين العام للجامعة في الاجتماع وهو «أننا مع حظر الطيران لأسباب إنسانية، وهذا إجراء وقائي. لكننا ضد أي عمل عسكري أو احتلال أو تقسيم لهذا البلد (ليبيا). وسألته «الحياة» هل انتهى نظام معمر القذافي، فأجاب: «هناك بعض الدول التي قالت ذلك في الاجتماع. ولكن كانت هناك أصوات مختلفة. هناك من قال إن هناك فرصة بعد، وهناك من أراد تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين. لكن لم تكن كل الآراء متطابقة في الموضوع». وأضاف أن الموقف الفرنسي «متقدم ورائد في الموضوع العسكري. ففرنسا تقود التحالف الدولي، ونحن لا نشارك في معدات عسكرية. أما عن شرعية النظام الليبي فيعود تحديد ذلك إلى الشعب الليبي الذي يحق له أن يقول لمن الشرعية. لكن شرعية الأنظمة لها صلاحية محددة مثل صلاحية المواد الغذائية وتنهي بانتهاء صلاحيتها». وعن موعد نهاية هذه الحرب، قال إن الأمين العام للأمم المتحد بان كي مون طرح هذا الموضوع في الاجتماع «ولم يتم غلق باب الحلول السياسية والديبلوماسية، ولكن الاجراءات الأولية (المطلوبة) هي وقف سفك الدماء ووقف النار». وعن القمة العربية المقبلة في بغداد، أكد زيباري «أنها ستُعقد في موعدها. وعلى رغم كل التغييرات التي تحصل في العالم العربي نحن في صدد استضافة القمة. هناك حكومات انتقالية بإمكانها إرسال ممثلين. ونحن نجري الإعداد لهذه القمة المهمة جداً بالنسبة لنا».