أكدت أوساط قريبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أنه يعتزم إلقاء خطاب أمام أعضاء الكونغرس الأميركي في أيار (مايو) المقبل على هامش مشاركته في مؤتمر «ايباك» السنوي، يطرح فيه تصوره لحل الصراع مع الفلسطينيين ويكون استكمالاً لخطابه صيف العام قبل الماضي في جامعة «بار ايلان» الذي أعلن فيه قبوله مبدأ الدولتين للشعبين. وفيما تحدثت تقارير صحافية عن أن نتانياهو بات، إزاء شعوره بحجم العزلة الدولية المتزايدة، يميل فعلاً لقبول إقامة دولة فلسطينية بشروط إسرائيلية كثيرة وأنه يعتبر الدولة ثنائية القومية كارثة بالنسبة إلى إسرائيل، شككت أوساط سياسية إسرائيلية وأميركية في مدى جديته، وتساءلت عما إذا كان الغرض من إطلاق خطة سياسية جديدة ترفضها أوساط واسعة في ائتلافه الحكومي، هو درء الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل وإفشال مخطط الاتحاد الأوروبي لإعلان اعترافه بدولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، خصوصاً على خلفية معارضة اليمين في حكومته تقديم أي تنازلات. وأفادت صحيفة «إسرائيل اليوم» القريبة من نتانياهو أن الأخير يبذل جهوداً لدى الاتحاد الأوروبي لإقناعه بتفادي إصدار بيان شديد اللهجة ضد إسرائيل، في اجتماع وزراء خارجيته بعد أسبوعين في باريس، في مقابل وعود بأنه سيطلق قريباً خطة سياسية تتضمن ملامح حل الصراع، وهو ما وعد به أيضاً المستشارة الألمانية أنجيلا مركل خلال محادثة هاتفية أجراها معها الأسبوع الماضي وطالبته فيها بكسر الجمود السياسي واتهمته بأنه خذلها بعدم تنفيذه وعوده لها بتحريك العملية السياسية. وأضافت الصحيفة أن نتانياهو يعتزم لقاء الرئيس باراك اوباما بعد شهرين خلال زيارته واشنطن للمشاركة في أعمال مؤتمر اللوبي اليهودي (ايباك). وتابعت أن مستشاري نتانياهو يعكفون منذ فترة على بلورة ملامح خطة سياسية تقوم على أساس التسوية المرحلية ودولة فلسطينية في حدود موقتة، لكن من دون الإعلان عن إنهاء الصراع. وقالت إن وزير الدفاع ايهود باراك ومستشار رئيس الحكومة لشؤون المفاوضات مع الفلسطينيين اسحق مولخو يشاركان في هذه المشاورات. وذكرت الصحيفة أن نتانياهو سيمحور خطابه في التغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط وفي العالم العربي عموماً وفي دور إيران فيها، كما سيشير إلى التحسن في الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية وتحسن أداء أجهزة الأمن الفلسطينية. ونقلت عن أحد مصادرها في مكتب رئيس الحكومة قوله إن نتانياهو سيعلن استعداده منح السلطة الفلسطينية السيطرة التامة على المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وعلى نحو 90 في المئة من سكانها، فضلاً عن تسهيلات أخرى مثل دفع برامج مشتركة للفلسطينيين والأميركيين والأوروبيين في كل ما يتعلق بإقامة البنى التحتية. الدولة الثنائية «كارثية» ونقلت صحيفة «هآرتس» عن نتانياهو قوله في اجتماعات مغلقة إن «دولة ثنائية القومية ستكون بمثابة كارثة لإسرائيل»، ما يستوجب من إسرائيل القيام بخطوات سياسية تزيل هذا التهديد، وهو الموقف ذاته الذي يتبناه حزب «كديما» المعارض وسائر أحزاب اليسار التي ترى أنه من مصلحة إسرائيل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية كضمانة وحيدة لضمان غالبية يهودية مطلقة في إسرائيل. وتابعت أن نتانياهو أخذ في الفترة الأخيرة يتحدث عن الخطر المتزايد من دولة ثنائية القومية، وأنه قال إن من يعتقد أن دولة ثنائية القومية (أي رفض إقامة دولة فلسطينية) هو أمر جيد، مخطئ لأن الفكرة ليست جيدة». ونقلت الصحيفة عن أحد مستشاري نتانياهو قوله إن الأخير بات يدرك أن الجمود السياسي ليس في مصلحة إسرائيل، مضيفاً أن الانقلابات في العالم العربي تخلق أيضاً فرصاً وليس فقط تهديدات ومخاطر، وأنه ينبغي استغلال هذه الفرص من أجل تحريك العملية التفاوضية ولجم المبادرات الفلسطينية الأحادية الجانب. وعزا مراقبون توجّه نتانياهو الجديد إلى العزلة الدولية المتزايدة التي تعيشها إسرائيل في أوروبا تحديداً، خصوصاً بعد تصويت دول هذه القارة بما فيها بريطانيا وفرنسا، إلى جانب المشروع الفلسطيني للتنديد بالاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 الذي أفشلته الولاياتالمتحدة بفرض حق النقض (الفيتو). كما تخشى إسرائيل مشروع الاتحاد الأوروبي لدعم إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 مع تبادل أراض. وذكّرت الصحيفة بالمحادثة الهاتفية القاسية التي أجرتها المستشارة الألمانية مع نتانياهو. كما أضافت إلى كل هذه العوامل نتائج الاستطلاع الأخير للرأي الذي أكد تراجع شعبية نتانياهو وتكتل اليمين في مقابل تعزز شعبية حزب «كديما» المعارضة بزعامة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني. ووفقاً لمصادر في مكتب رئيس الحكومة، فإن نتانياهو أجرى في الأسابيع الأخيرة اتصالات مع الإدارة الأميركية لبلورة سيرورة لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن مستشاره رون دريمر زار البيت الأبيض لهذا الغرض. كما زار مستشار الرئيس الأميركي دنيس روس وفرد هوف إسرائيل أول من أمس والتقيا نتانياهو ساعات كثيرة. كما التقى روس وزير الدفاع ايهود باراك الذي طالبه بأن تتلقى إسرائيل الامتيازات التي أبدت واشنطن استعداداً لتقديمها في حال وافق نتانياهو على تمديد فترة تجميد البناء في المستوطنات. كما طلب باراك من روس أن تعلن الولاياتالمتحدة دعمها موقف إسرائيل المطالب بإبقاء غور الأردن المحتل تحت السيادة الأمنية الإسرائيلية في إطار أي اتفاق في المستقبل. مع ذلك، لم يطلع نتانياهو أحداً على تفاصيل خطته، ما أثار تساؤلات لدى أوساط إسرائيلية وأميركية على السواء عن مدى جدية نتانياهو وما إذا كان ينوي حقاً حسم مسألتي الحدود والاستيطان أم أن جل ما يريده من إعلان خطة سياسية هو صد الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل وثني الاتحاد الأوروبي عن إعلان دعمه إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود العام 1967. ووفقاً لمصدر أميركي، فإن اوباما يرفض حتى الآن فكرة الدولة الموقتة «لأن هذه الفكرة ولدت في اتصالات بين مستشاري نتانياهو وأعضاء من الحزب الجمهوري في الكونغرس». كما لم يقتنع البيت الأبيض بأن مبادرة نتانياهو تحمل رسالة جادة كافية لكسر الجمود في الاتصالات مع الفلسطينيين. ورد مصدر قريب من نتانياهو بالقول إن نتانياهو جاد فعلاً في مشروعه، وأنه في حال حصوله على دعم أميركي، فإنه سيقدم تنازلات كبيرة. لكن بحسب مستشاريه، فإن نتانياهو لم يقرر بعد إذا ما كان سيعرض في خطابه خطة سياسية للتسوية الدائمة أم لتسوية مرحلية تقضي بإقامة دولة فلسطينية في حدود موقتة من دون الإعلان عن مبادئ لحل المسائل الجوهرية. وقال إن نتانياهو يفضل خطة شاملة، لكنه يخشى أن الفلسطينيين ليسوا ناضجين لذلك، وعليه يجب الذهاب إلى حل مرحلي وإقناع المجتمع الدولي بدعم هذا الحل. لكن محللين في الشؤون السياسية والحزبية استبعدوا أن تلقى خطة نتانياهو للتسوية المرحلية أي نجاح حيال رفض الفلسطينيين لها، وإزاء المعارضة لها من أوساط واسعة في حزب «ليكود» الحاكم وسائر أحزاب الائتلاف اليميني المدعومين من قادة المستوطنين الذين يحذرون نتانياهو من أن تقديم أي «تنازلات» للفلسطينيين سيسدل الستار على حكمه، تماماً كما فعلوا إبان ولايته الأولى عام 1999.