يتعاظم حجم علامتي الاستفهام والتعجب القابعتين أمام اسم رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري عبداللطيف المناوي بمرور الأيام، فالرجل صاحب المسؤولية الثانية، بعد وزير الإعلام السابق أنس الفقي، في اعتناق مذهب القلة المندسة والشرذمة المنحرفة، ومروّج معتقدات الهدوء الذي يخيم على القاهرة والإسكندرية والسويس، بينما كانت المدن الثلاث تحترق غضباً وثورة، ورائد عقيدة الجموع الغفيرة التي تملأ شوارع القاهرة حباً وتأييداً للرئيس مبارك، في وقت عجزت الكاميرا عن العثور على ما يزيد على بضع مئات، ما زال رابضاً على قمة هرم تلفزيون الأخبار الرسمي. هذا الاستمرار الغريب في المنصب الذي فشل أعتى خبراء الإعلام وأقوى رموز التكتيك الاستراتيجي في فك «لوغاريتماته» أو شرح أبعاده أدى إلى بزوغ نجم المناوي في قلب ميدان التحرير عبر مطالبات بإقالته ومحاسبته على التغطية الإعلامية الكاذبة والمضللة. وكان الاعتقاد السائد هو أن وقوع القطعة الأولى من قطع الدومينو الإعلامي سيؤدي حتماً إلى وقوع باقي القطع تباعاً، إلا أن تهاوي كل القطع المحيطة به أبقى عليه في موقعه، متحدياً نظريات الطبيعة والميتافيزيقا، فبعد عملية مخاض قاسية وطويلة في الأيام التي تلت تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، وبعد موجات بالغة الشدة والحدة من الانتقادات الشعبية والإعلامية المستقلة لأداء التلفزيون الرسمي في أثناء الثورة، تهللت الأسارير وانفرجت الكربات بالخبر الذي طال انتظاره. الشريط الخبري الراكض أسفل الشاشة أعلن البشارة: إحالة وزير الإعلام ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ على التحقيق وحبس كل منهما 15 يوماً لاتهامهما بالتربح من المال العام. ورغم أن التهم هي إهدار المال العام في برامج سخيفة وسوء استغلال الموارد في مسلسلات تافهة بما أضاع على المصريين بلايين الجنيهات، فإن الشعور العام السائد حالياً يضع أولوية محاسبة أولئك، وعلى رأسهم المناوي، على ما نطقوه من أكاذيب وما روّجوه من إشاعات ساهمت في زرع الفتن في ميدان التحرير، وتأليب المصريين على بعضهم البعض بحجة أن الثوار عملاء وخونة ومدسوسون وآكلو «كنتاكي». ليس هذا فقط، بل أن موقعة الجمل التي هجم فيها راكبو الجمال والبغال والخيول على ثوار التحرير، فدهسوا من دهسوا، واعتدوا على من اعتدوا عليه، خرجت من التلفزيون الرسمي باعتبارها «مشاركة رجال السياحة بالتعبير عن موقفهم والمطالبة بعودة حركة السياحة». وليس أدل على ذلك من فضيحة كرات النار في 2 شباط (فبراير) الجاري التي ظل التلفزيون الرسمي يحذر من قرب وصولها إلى ميدان التحرير، وفسرها بعضهم في البداية على أنها محاولة من النظام لتفريق المتظاهرين عن طريق تخويفهم، لا سيما أن الأخبار الحصرية لا يعرفها التلفزيون الرسمي الغارق في البيروقراطية، لكن اتضح في ما بعد أن كرات النار وصلت بالفعل وقتلت كثيرين وأحرقت الكثير من المنشآت، ويضع هذا عشرات علامات الاستفهام والتعجب عن كيفية وصول مثل هذه المعلومة الحصرية إلى التلفزيون الرسمي في تلميح واضح إلى أنها كانت كرات نار من الحزب الوطني. هذه الرواية الرسمية التي كان في إمكانها أن تجهض الثورة أو أن تشعل ثورة مضادة لها جعلت غالبية المصريين تعتبر إحالة المسؤولين عنها إلى التحقيق للمحاسبة ومن ثم العقاب أمراً مفروغاً منه، إلا أن ما هو مفروغ منه للعامة ليس كذلك بالضرورة لأولي الأمر. ورغم اعتراف المناوي غير مرة بأخطاء الإعلام الرسمي في تغطية أحداث الثورة، وتبريره ذلك ب «أننا (التلفزيون) خُدعنا كما خدع آخرون»، فإن كثيرين ينتظرون محاسبة من كان عذره أقبح من ذنبه. وما أثار استغراب كثيرين أن مدير إدارة الشؤون المعنوية في القوات المسلحة اللواء إسماعيل عتمان دعم المناوي في حوار هاتفي مع الإعلامي محمود سعد في الحلقة التي استضاف فيها الأخير المناوي، إذ أكد عتمان أن مصر تمر بأزمة ومحنة وأن ذلك ليس الوقت المناسب لتصفية الحسابات، مضيفاً شكره لقطاع الأخبار على المساعدة التي قدّمها للقوات المسلحة من خلال تلقي بلاغات المواطنين. وما زال الجميع في انتظار معرفة سر الإبقاء على المناوي أو معرفة حقيقة ما كان يحدث في دهاليز «ماسبيرو»، أيهما أقرب.