أنهى الفنان الكويتي عبدالحسين عبدالرضا عصر أمس آخر أعماله الوطنية، بعد أن وحد خلف جنازته أطياف وطنه لتذوب خلف تابوته الطائفية والقبلية والعنصرية، وليسدل الستار مع تهليل وتكبير المشيعين على آخر مشهد كان هو بطله الوحيد، لينحني رأسه نحو قبره شاكراً جمهوره الوفي، الذي كان لسان حاله وبلا شك «من لا يبكي في هذا اليوم فهو ناكر لنعمة الفرح»، وتموج التابوت فوق رؤوس من أحبوه كان لسان حاله يردد «يا الله خلنا نروح يا الله»، لكن ليس على «بساط الفقر»، بل على كم هائل من الغنى بمحبة تجاوزت الكويت لتصل إلى أصقاع المعمورة. شيعت الكويت ووفود عربية وخليجية أمس «أبوعدنان» في مقبرة صليبيخات، فنان الشعب الذي ملك قلوبهم، وكان ولسنوات طوال صانعاً للبهجة وبالأمس كان مهندساً فذاً للوحدة، وبكاء مشيعيه من الرجال والنساء والأطفال تترجم رسالة واحدة «نجحت يا حسينوه في سرقت دموع جمهورك، بعد أن كنت زارعاً للضحكة في أحلك الظروف»، وصرخات محبيه كان عنوانها الأبرز على شكل تساؤل «هل يعقل أن كل هذا الفرح في تابوت»؟ ومن دون إعداد مسبق أبى فنان الخليج الأول إلا أن يدهش جمهوره ومحبيه حتى في يوم دفنه، فلم تكن مصادفة على الإطلاق أن يكون يوم تشييعه هو ذات اليوم الذي عرضت فيه أولى حلقات مسلسله الخالد «درب الزلق» في 16 آب (أغسطس) 1977، وكأن المشهد الأخير من هذا المسلسل ختم بدفن بطله مصادفة أقرب ما يقال عنها إنها أقرب من الخيال للواقع. أثبت الفنان عبدالرضا أمس أنه «أبوالملايين» فكل من تزاحموا لإلقاء النظرة الأخيرة عليه كانوا يبكون وبحرقة، وكأنهم يشيعون والدهم، الذي عاصروه لسنوات تجاوزت خمسة عقود، كانت كفيلة بأن تخلق هذه الحال الإنسانية الخاصة، ولم يكن يتقاضى عن الابتسامة التي كان يزرعها في وجوه الناس سوى المحبة، إلا أن موعد تسديد فاتورة الفرح كان يوم أمس حين ودعهم ب«باي باي جمهور». بدا التأثر واضحاً على وزير الإعلام بالوكالة الشيخ محمد العبدالله الذي صرح أن «ما يجري اليوم هو رد جميل لهذا العملاق الذي رحل عنا جسداً وبقي فكراً، وهو أفنى حياته في خدمة الكويت وبث الروح الوطنية السامية، وعزاؤنا في ما ترك لنا من إرث فني وثقافي كبير». من جهته قال نجله الأكبر عدنان: «والدي كان يحب العالم وهدفه الرئيس إسعاد الناس، وكان يسعى لترابط المجتمع ونبذ التفرقة، وكان يردد الكويت أولاً الكويت فقط، ووصيته الدائمة لنا كونوا مترابطين ومتواصلين مع الناس وقريبين منهم». واختصر نجله بشار تصريحه بقوله: «والدي وعلى مدى 50 عاماً كان يجتهد لإسعادكم وأنتم قابلتم الوفاء بالوفاء، ومظاهرة الحب الكبيرة التي رأيتها خففت من ألم فراق والدي». وأصدرت وزارة الخدمات طابعاً بريدياً يحمل صورة الفنان عبدالحسين عبدالرضا «تخليداً لذكراه»، بحسب تصريح الوزارة.