في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالعراق، جراء انخفاض أسعار النفط عالمياً، يدعو الكثير من الاقتصاديين إلى ضرورة انتهاج خطط اقتصادية جديدة لدعم الموازنة والصناعة المحلية، فضلاً عن مكافحة مكامن الهدر في المؤسسات الحكومية. وأشار مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح خلال ورشة عمل نظمها «منتدى بغداد الاقتصادي» الذي أقيم بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء لمناقشة توجهات تعظيم موارد الدولة، إلى «ضرورة اعتماد خطوات عملية بدءاً من السنة المالية المقبلة»، تتمثل بإنشاء حساب باسم «صندوق تعويضات الدين العام»، تودع فيه «أيّ زيادة ناتجة من أسعار النفط فوق المعدل المستهدف في الموازنة، لاستخدامها في تغطية أي ديون خارجية كانت أو داخلية». ولفت صالح في ورقة بحثية تولى عرضها نيابة عنه الصحافي والكاتب الاقتصادي ليث محمد رضا بعنوان «التعزيز المالي للعراق: رؤية 2018- 2020»، إلى «ضرورة الالتزام بالأسعار الحالية للنفط المقدرة في الموازنة الحالية ب44.4 دولار للبرميل»، مشيراً إلى أن «حساب صندوق تعويضات الدَين العام يتلقى الإيرادات الرأسمالية من بيع الأراضي وعقارات الدولة والإيرادات التحويلية»، وعدّها من أوجه تمويل حساب الصندوق. وأضاف أن واردات النفط تهيمن على ترتيب ثلاثة موازين رئيسة في الاقتصاد العراقي وحركتها هي الحساب الجاري لميزان المدفوعات الذي تشكل إيرادات النفط فيه نسبة 98 في المئة من إجمالي تدفقات العملة الأجنبية، وكذلك الموازنة العامة الاتحادية التي تمثل الإيرادات النفطية نحو 92 في المئة من أجمالي إيراداتها، إضافة إلى مساهمة القطاع النفطي في مكونات الناتج المحلي الإجمالي الذي يتراوح بين 46 و50 في المئة من تركيبته. صالح لفت في ورقته أيضاً، إلى أهمية التوسع في نظام الشراكة مع القطاع الخاص في توزيع الطاقة الكهربائية على أن يكون عام 2018 المالي هو المنطلق لتغطية مناطق البلاد كافة، وإدراج النظام في نصوص قانون موازنة 2018، حاضاً على اعتماد نظام التعهيد في النظام الضريبي لوحدات صغار المكلفين من خلال منح تراخيص للشركات الأهلية الرصينة لفتح منافذ تحصيل ضريبي، على أن يُعتمد نظام الضرائب المقطوعة لصغار المكلفين لضمان التحصيل ورفع كفاءته والابتعاد عن الاجتهاد والفساد. وسبق للأمين العام لمجلس الوزراء مهدي العلاق أن أكد في مستهل الورشة التي كرست لمناقشة موضوع تعزيز موارد الدولة، أهمية المضي بالإصلاح الاقتصادي بهدف معالجة المشاكل لتحقيق التنمية المستدامة، مشيراً إلى أن الحكومة تبنت الإصلاح الاقتصادي وتشجيع القطاعات الإنتاجية للتخلص من ريعية الاقتصاد وكذلك تشجيع القطاع السياحي. وأضاف أن الحكومة حرصت على إشراك القطاع الخاص في كل اللجان الاقتصادية، وأن مشاركة «منتدى بغداد الاقتصادي» تأتي لدعم الحكومة القطاع الخاص، مثنياً على خطوة المنتدى الرامية لعقد سلسلة ورش تشخص الخلل الاقتصادي وتطرح توصيات تمثل صوراً واقعية لمختلف المشكلات، مؤكداً أن العراق تجاوز أصعب المراحل والتحديات التي واجهته. إلى ذلك، قال رئيس المنتدى فارس آل سلمان إن «أهداف عملية الإصلاح الاقتصادي تتمثل بأداء اقتصاد قوي ينتج فائضاً في ميزان الحساب الجاري وانخفاض نسب البطالة وارتفاع معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن تركيزه على التنمية المستدامة»، مشيراً إلى أن ذلك يعكس كفاءة الإدارة الاقتصادية الجيدة بركائزها الأساسية المتمثلة بالإدارة المالية والسياسة النقدية، وإلى أن المرحلة الأولى تحتاج إلى الوقوف عند الأداء الاقتصادي العام للدولة وكفاءة الإدارة الحكومية وقطاع الأعمال والبنية التحتية. ولفت إلى أن المرحلة الأخرى التي تحمل عنوان «الترشيد والهيكلة» تقف عند ترشيد إنفاق الدولة دعم هياكلها ووضع حد أقصى للتوظيف، وتوجيه الدعم الحكومي إلى فئات محدودة من المجتمع، ومراجعة إيجارات دائرة عقارات الدولة والأمانة والأوقاف، فضلاً عن إجراء مراجعة شاملة للرسوم التي تتقاضاها الدولة، ووضع المعادلة المنصفة للدولة والمواطن على أن يعاد النظر فيها دورياً. أما المستشار الاقتصادي في هيئة المستشارين عبد الحسين العنبكي، فدعا إلى مراجعة جولات التراخيص النفطية لأن نفقاتها التشغيلية والاستثمارية مرتفعة، مضيفاً أن الحكومة تملك 96 في المئة من الأراضي الزراعية وتحتاج إلى إدارة ناجحة لجعلها منتجة وتغطي حاجات البلد. ونبهت المديرة العامة للهيئة العامة للضرائب ناجحة عباس علي، إلى ضرورة إحداث إصلاحات ضريبية يظهر أثرها بوضوح لتعزيز الإيرادات. وأكد الخبير المالي ماجد الصوري أن الخطة الخمسية الأخيرة تبنت توجه اقتصاد السوق الاجتماعي، مشيراً إلى أنها الأكثر انسجاماً مع متطلبات الدستور العراقي وتوجهاته في استخدام أسس اقتصادية حديثة، وقادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المطلوبة من كل فئات الشعب العراقي. ودعا إلى إعادة هيكلة جريئة للمؤسسات المالية في العراق خصوصاً المصارف الحكومية، من خلال دمج المصارف الحكومية التجارية، وكذلك كل المصارف المتخصصة، في مصرف تنموي كبير، مع إعادة هيكلتها إدارياً ومالياً، وتأمين الإمكانات اللازمة لها وفصل الإدارة عن رأس المال بالنسبة لكل المصارف الحكومية والخاصة.