منذ انتخاب ابي غباي زعيماً لحزب العمل الإسرائيلي، والمراهنات تدور حول تبعات ما أحدثه انتخابه من انقلاب في المفاهيم السياسية الحزبية في إسرائيل، والآمال تتصاعد حول إمكان إسقاط بنيامين نتانياهو، خصوصاً بعد الشبهات التي تحيط برئيس الحكومة الإسرائيلية، في قضايا الفساد. فإن لم يكن غباي قادراً على ذلك، فما من شك أن ملفات الرشاوى التي تربط نتانياهو بعلاقة مباشرة هو وعائلته بها قد تقرب من أجل حكمه. وإذا كان هذا التطور بعيد المنال حتى الآن، لأنه لا يوجد بديل مقنع، فإن غباي يعلن بثقة بالغة انه البديل. كان أول تصريح أطلقه غباي بعد فوزه على منافسه عمير بيرتس، أن معركة استبدال نتانياهو انطلقت. وهذه هي الأجواء التي تسيطر على أجندة الإسرائيليين. فلا يمر يوم إلا يظهر نتانياهو مهدداً ويتصاعد احتمال إبعاده عن كرسي الرئاسة. وعلى رغم أن الكثيرين اعتبروا انتخاب غباي يقرب عملية استبدال نتانياهو، لنجاحه في استقطاب نسبة عالية جداً من جيل الشباب في حزب العمل، فإن التفاؤل يحتاج الى القليل من التروي، خصوصاً أننا نتحدث عن زعيم معارضة لا يتمتع بشخصية ذات تجربة سياسية وحزبية ولأن تحقيق هدفه في استبدال نتانياهو يتطلب التحالف في إطار معسكر واسع أكبر بكثير من المعسكر الصهيوني. غباي رفض ما قيل عن عدم خبرته السياسية وأعلن انه ينوي الحفاظ على المعسكر الصهيوني وتوسيعه بتحالفات أوسع ثم طرح خطاباً يعزز فيه الثقة لدى داعميه من أعضاء حزبه والإسرائيليين عموماً أن رائحة انقلاب تلوح في الأفق بما ينهي حكم نتانياهو. ومع أن غباي شغل منصب وزير البيئة في حكومة نتانياهو، واستقال منها قبل سنة فقط، فإنه يرسخ في أذهان مؤيديه ورفاقه والشارع الإسرائيلي المفهوم بأنه لا ينوي بأي حال من الأحوال دخول حكومة الأخير. وفي مقابل سياسة الزحف الى الحكومة، التي قادها سلفه يتسحاق هيرتسوغ، قال غباي إنه لا ينوي توفير أي دعم لحكومة نتانياهو حتى في حالة تقدمها بمشروع سلام، إنما سيبذل قصارى جهوده لإسقاطها. وكان هذا التصريح بمثابة تغيير أيضاً في مواقف غباي السابقة، اذ انه كان أعلن أنه إذا انسحب نفتالي بينيت من الائتلاف الحكومي فعلى حزب العمل إعلان انضمامه الى الحكومة. ولم يتردد غباي في مجابهة سياسة اليمين حول عملية السلام. فقال إنه يريد عملية سلام حقيقية مخلصة وليس سياسة شعارات فارغة. وقال انه يوافق على تقسيم القدس بين إسرائيل والفلسطينيين، «فهنالك أحياء فلسطينية لا يدخلها أي إسرائيلي يجب إعطاؤها للسلطة الفلسطينية». واعترض على الاستيطان الاستفزازي في الأحياء العربية. ودعا نتانياهو الى الالتقاء فوراً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهو شريك في عملية السلام. وإذا لم يفعل – قال غباي – فأنا سألتقيه وأتعاون معه على عملية سلام شجاعة، يتم فيها تغيير مفاهيم الحرب والكراهية. وقال: على أبو مازن أن يغير كتب التعليم وخطاب العداء والكراهية وعلينا في المقابل أن نبدي نيات طيبة تجاهه ونخفف معاناة شعبه. وهكذا نتقدم الى عملية سلام. وسئل كيف يريد كسب أصوات من اليمين بهذه الطريقة. فأجاب: «التجربة التي سأقودها في المسار السياسي هي أخذ مصوتين من الليكود، هناك يوجد أكبر مستودع للنواب، وأنا أقصد هذا. الكثير من المصوتين لليكود يؤمنون بمواقف حزب العمل. ولكنهم يريدون الاطمئنان الى أننا نفعل ذلك من خلال المحافظة على مصالح إسرائيل الأمنية. ونحن مستعدون لذلك». وأضاف: «أنا أؤمن بأن السلام لا يتم في اللقاءات الدولية او المؤتمرات الإقليمية، وانما من خلال خلق الثقة والتقارب الشخصي بين الجانبين. ولكن هذا لا يعني أن لا نستعين بأصدقائنا وأصدقاء أبو مازن معاً في سبيل تحقيق هذا الهدف السامي. فالقضية لا تشغل الإسرائيليين، فحسب، إنما الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية والمجتمع الدولي والدول العربية المعتدلة». لا شك في أن المفاجأة في انتخاب غباي كانت على خلفية مسيرته السياسية، والانقلاب في مفاهيم حزب العمل، الذي فقد أكثر من نصف جمهوره في السنتين الأخيرتين. وهناك من وصف انتخابه بالهزة الأرضية. فالحديث عن شخص مجهول نسبياً، انضم الى الحزب قبل أشهر عدة فقط، وفاز في جولتي انتخابات على عدد من المرشحين الذين يشكل كل واحد منهم جزءاً من عصمة هذا الحزب. ورأى البعض أن انتخابه جاء، فقط، على خلفية تراجع قوة حزب العمل الانتخابية، والشعبية، وتدهور صورته. فغباي، وحتى يوم فوزه كان ينشغل في الصفقات التجارية كرجل أعمال. وقبل أن يخوض الحلبة السياسية عمل سنوات في سلاح الاستخبارات في وحدة «8200» ثم انتقل للعمل في قسم الموازنات في وزارة المال، حيث ركز على موضوع الاتصالات. بعد أقل من أربع سنوات انتقل الى شركة «بيزك»، وشغل فيها مناصب عدة، حتى تم تعيينه في 2007 مديراً عاماً للشركة، وبقي في هذا المنصب حتى استقالته في 2013. خلال فترة عمله مديراً عاماً لشركة «بيزك» تعرف على موشيه كحلون، الذي شغل في حينه منصب وزير الاتصالات، وهو اللقاء الذي شكل منصة لقفزته الى الحياة السياسية مع تأسيس حزب «كلنا». مع انضمام «كلنا» الى حكومة نتانياهو الحالية، عين كحلون صديقه غباي وزيراً لشؤون البيئة، من دون أن يكون غباي عضواً في الكنيست. لكن غباي استقال من الحكومة على خلفية فصل وزير الأمن موشيه يعلون وتعيين رئيس حزب «يسرائيل بيتنا» افيغدور ليبرمان مكانه. بعد الإعلان عن تبكير موعد الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب العمل، أعلن غباي انضمامه للمنافسة، على رغم انه لم يكن عضواً في الحزب من قبل. ومنذ بداية طريقه حظي بدعم كبير من شخصيات بارزة عدة في الحزب، ومنها إيهود باراك. وعلى رغم هذه الخلفية التي لا يملك فيها تلك التجربة السياسية، إلا أن طرحه كبديل لنتانياهو لا يبدو غريباً، ليس لأنه نجح في إحداث انقلاب داخل حزبه، فقط، إنما لظهوره اليوم ضمن الأجواء التي تثير علامات استفهام أمام مستقبل نتانياهو. فما زالت احتمالات تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة في ملفات الفساد المتورط بها مع عائلته، خصوصاً ملف «1000»، متزايدة حيث أعلن طاقم التحقيق في وحدة لاهف 433 انهم باتوا يملكون ما يكفي من الأدلة للتوصية بتقديم لائحة اتهام ضده. أخطر الملفات التي تشغل الإسرائيليين حالياً تشمل قائمة من القادة العسكريين وشخصيات مقربة من نتانياهو، هو ملف قضية الغواصات، فعلى رغم انه لا يوجه أصابع اتهامات مباشرة لنتانياهو إلا أن احتمالات أن يطاوله قائمة. وما قد يسهل الطريق أمام غباي للتفوق على نتانياهو هو خضوع الأخير لليمين الإسرائيلي والذي وصل إلى ذروته في التراجع عن قراره حول مشروع توسيع مخطط قلقيلية، حيث اضطر الى تجميد القرار بعد ضغط اليمين على رغم التحذيرات التي اطلقها قادة عسكريون في مقدمهم رئيس الأركان غادي ايزنكوت، الذي اعتبر التراجع عن هذا المشروع أمراً خطيراً ودعا الى قبول المشروع. وأمام هذه الوضعية قد تتحول المخططات والمشاريع رهينة في أيدي اليمين والمستوطنين ليصبح نتانياهو هو الآخر رهينة في أيديهم غير قادر على التغلب على غباي وغيره في التنافس على كرسي رئاسة الحكومة.