تعيش تونس منذ أسبوعين على وقع تنفيذ الحكومة جملة من الإيقافات والإقامة الجبرية لعدد من رجال الأعمال المتهمين بالفساد والمهربين. وتزامنت هذه الإيقافات مع تصاعد وتيرة الحملات الشبابية المطالبة بالإسراع في محاسبة المورطين بالفساد، مع تأكيد الناشطين المحتجين رفضهم محاولات الحكومة المتكررة حماية بعض أصحاب رؤوس الأموال المساهمين في تمويل الأحزاب الحاكمة من المحاسبة، فضلاً عن سعي رئيس الجمهورية إلى تمرير ما أصبح يعرف بمشروع قانون المصالحة للمصادقة عليه في مجلس نواب الشعب. ثلاثة أحداث كبرى عرفتها تونس أخيراً تمثلت في عودة ناشطي حملة «مانيش مسامح» إلى الشوارع، تصاعد الاحتجاجات في منطقة «الكامور» في الجنوبالتونسي من أجل التقسيم العادل للثروات وأيضاً تفاعل رئيس الحكومة يوسف الشاهد الإيجابي مع كل هذه التحركات عبر تنفيذه أهم مطلب شعبي والمتعلق بالإسراع في إيقاف رجال الأعمال المتهمين بالفساد وبارونات التهريب. البداية كانت بعودة حملة «مانيش مسامح» إلى الشوارع من جديد عبر مسيرات ضخمة طالبت بإسقاط مشروع قانون المصالحة الذي اقترحته رئاسة الجمهورية والذي يهدف إلى إسقاط التتبعات القضائية في حق رجال الأعمال الفاسدين من دون المرور عبر هيئة الحقيقة والكرامة. مطالب «مانيش مسامح» سرعان ما أخذت منحى جديداً إثر اشتعال موجة الاحتجاجات في منطقة الكامور التي وجهت بتدخل أمني أدى إلى وفاة أحد المحتجين متأثراً بإصابته دهساً. وتضامناً مع محتجي الكامور دعت الحملة إلى فتح بحث تحقيقي حول التدخل الأمني المصاحب لفض اعتصام الكامور، وحملت الحكومة مسؤولية تفاقم الأوضاع في صورة انتهاجها للخيار الأمني بدل التفاوض السلمي مع المحتجين. وفي رد فعل غير متوقع جنحت حكومة يوسف الشاهد إلى التهدئة، الأمر الذي مثل مفاجأة لجميع الأطراف. وإضافة إلى التخلي عن المواجهة الأمنية مع المحتجين قامت الحكومة في خطوة غير مسبوقة بالإعلان عن تنفيذها عمليات مداهمة وإيقاف في حق عدد من أشهر رجال الأعمال الذين تحوم حولهم شبهات الفساد في تونس وعدد من كبار المهربين وسط استبشار التونسيين الذين أعلنوا عن مساندتهم الحكومة واستغرابهم نجاعتها وسرعتها في تحقيق هدف من أهداف الثورة طال انتظاره. وأرجع محللون أسباب هذه الخطوة غير المسبوقة والمفاجئة لرضوخ الحكومة الى ضغط المجموعات الشبابية وتهديدها بالتصعيد في حال تواصل تجاهل مطالب المهمشين وعدم محاسبة الفاسدين. وحول تأثير الحركات الشبابية في مجرى القرارات السياسية والتي وصفت بالإيجابية، أكد الكاتب الصحافي الهادي يحمد ل «الحياة» أن هناك ارتباطاً بين «الحملة» على رجال الأعمال الذين يشتبه في فسادهم وبين حملة «مانيش مسامح» من ناحية التوقيت على الأقل، إذ لم يكن من الصدفة أن تستهدف حملة رئاسة الحكومة أحد أبرز المشتبه بهم في قضايا الفساد مع المسيرة التي نظمتها حملة «مانيش مسامح» في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة. والواقع أن ما زاد في ضرورة الإجراء الحكومي هو الضغط الذي بات يمثله اعتصام الكامور جنوب البلاد والذي طالب فيه شباب محافظة تطاوين بالتوزيع العادل لما يعتقدون أنه ثروات بترولية في جهتهم الصحراوية. ويضيف يحمد: «الإجراء الحكومي جاء استجابة لرغبة الشارع أولاً ولتخفيف الضغوط التي أصبحت تهدد بقاء الحكومة ووحدة الائتلاف الحكومي. ومن وجهة نظر إتصالية، الإجراء كان بمثابة حقنة للإلهاء، تمكن من خلالها الفريق المحيط برئيس الحكومة يوسف الشاهد من «تحويل وجهة الإهتمام» إعلامياً وإعادة توزيع الأوراق سياسياً. هي بالتوصيف السياسي عملية حولت الحكومة من موضع الاتهام إلى موضع الإشادة. لكن هل ستمضي الحكومة في مسار مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين حتى النهاية؟ وكيف سيتعامل الشاهد مع الضغوط السياسية للأحزاب الحاكمة والنافذين في البلاد؟».