خرج آلاف التونسيين اليوم (السبت)، إلى الشارع الرئيس بالعاصمة تونس للاحتجاج على مشروع قانون اقتصادي مثير للجدل يهدف للمصالحة مع مسؤولين ورجال أعمال من نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي متهمين بالفساد في تصعيد للاحتجاجات ضد الحكومة. يأتي الاحتجاج بينما تواجه الحكومة ضغوطاً قوية وموجة احتجاجات في تطاوين وقبلي جنوب البلاد للمطالبة بالتشغيل ونصيب من الثروات الطبيعية من النفط والغاز. وبدأ البرلمان التونسي نهاية الشهر الماضي مناقشة مشروع قانون للمصالحة في قضايا اقتصادية مع مسؤولين ورجال أعمال من نظام بن علي وسط موجة رفض قوي من أحزاب ومنظمات وحدت جهودها للتصدي لهذا المشروع الذي وصفته بأنه «تبييض للفساد». وكان المشروع أحيل في 2015 للبرلمان، لكن موجة الرفض الشعبي أجلت مناقشته مرات عدة. واليوم تدفق حوالي خمسة آلاف محتج على شارع الحبيب بورقيبة الرئيس في العاصمة بدعوة من منظمات للمجتمع المدني من بينها حملة «مانيش مسامح» (لن أسامح)" وأحزاب سياسية معارضة. وردد المحتجون شعارات تندد بالفساد وترفض مشروع القانون من بينها «الشعب يريد إسقاط الفساد» و«مانيش مسامح ما يتعداش» (لن يمر)و«لا خوف لا رعب .. الشارع ملك الشعب». وشارك في المسيرة عدد من قادة المعارضة من بينهم زعيم «الجبهة الشعبية» حمة الهمامي ورئيس البرلمان السابق مصطفى بن جعفر وزعيم حزب «التكتل» وزعيم «حركة الشعب» زهير المغزاوي . ويتيح مشروع القانون لرجال الأعمال رد الأموال المنهوبة بفائدة لا تتجاوز الخمسة في المئة، على أن تجري تبرئتهم إذا أعادوا ما نهبوه من أموال إلى خزينة الدولة. وعلى رغم التوافق السياسي الواسع الذي حظي بإشادة دولية وساهم في انتقال ديموقراطي سلس في تونس مهد انتفاضات الربيع العربي، فإن مشروع القانون هذا ما زال يثير انقساماً حاداً بين التونسيين الذين يرى بعضهم طي صفحة الماضي في حين يرفض آخرون مسامحة رموز فساد نظام بن علي. ويقول المسؤولون إنهم يأملون من خلال القانون في إنعاش الاقتصاد ببلايين الدولارات وإعطاء إشارات إيجابية للمستثمرين في الداخل والخارج لضخ أموالهم. وتعاني تونس من عجز مالي كبير في ظل تراجع مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 1.1 في المئة في 2016. ولكن معارضي القانون الذين دشنوا اليوم سلسلة تحركات ضد مشروع القانون قالوا انه ليس إلا «تبييض للفساد» ومصالحة للفاسدين ستعطي رسالة بأن لا شيء تغير في تونس الجديدة. وقالت صبرة شرايفة، وهي إحدى المحتجات التي كانت ترتدي قميصا كتب عليه «مانيش مسامح»، «اليوم نقول بصوت عالي إن المدافعين عن قيم الثورة مازالوا هنا وعادوا للشوارع وسيتصدون لقانون تبييض الفساد ومحاولة إرساء دولة فساد..هي معركة سنواصل خوضها ولن نتنازل عنها». وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قال هذا الأسبوع في خطاب إن قانون المصالحة الاقتصادية أصبح ضرورة لإنعاش الاقتصاد العليل، مؤكداً إنه يرفض معارضة هذا القانون «في الشوارع وعبر التجييش«. وأضاف أن معارضة القانون وتعديله لا يكون إلا في البرلمان. ولكن القيادي في «الجبهة الشعبية» المعارضة عمار عمروسية قال أثناء الاحتجاج: «هذه ليست بدعة تونسية ونقول للسبسي القانون سنسقطه بقوة الشارع ولن يمر وهكذا تجري الأمور في كل البلدان الديموقراطية..لن نقبل أن يعود الفاسدون من دون محاسبة كأن شيء لم يكن». وتقول «هيئة مكافحة الفساد» إن المحسوبية والفساد التي أنهت 23 عاماً من حكم زين العابدين بن علي، استشرت في تونس وتغلغلت في العديد من القطاعات بعد انتفاضة 2011 وإنها تكلف البلاد خسارة بلايين الدولارات. وخلال المظاهرة رفعت أعلام تونس ولافتات كتب عليها «لا مصالحة قبل المحاسبة» و«السماح في المحكمة» و«تونس ليست مزرعتكم ولن تمروا». ويعول الرئيس الباجي قائد السبسي على دعم شريكه في الحكم حزب «النهضة الإسلامي» للتصديق على القانون. ولكن حركة «النهضة» تطالب بتعديل جذري في مشروع القانون للمصادقة عليه. ودعا «اتحاد الشغل» ذو التأثير القوي إلى التريث في المصادقة على القانون بينما تعاني البلاد من كثير من الاحتجاجات والاحتقان الاجتماعي. وقال مسؤولون حكوميون إن مئات الموظفين الذين نفذوا تعليمات من دون أن يحققوا مكاسب شخصية سيشملهم مشروع المصالحة، وإن الإدارة التونسية مكبلة بسبب الخوف من اتخاذ أي قرار وهو ما يعني أن وقت المصالحة قد حان لإنعاش الاقتصاد الذي يحتاج لمزيد من الاستثمارات.