نأخذهم هم أنفسهم ونبدأ من جديد. لعل هذا هو الشعار الذي يطلقه المعلنون عن مشاريعهم الجديدة في مهرجان «كان». وبخاصة، فيما يعنينا هنا، تلك التي تتعلق بالنوع السينمائي الذي بات يلقى رواجاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة ويكاد يتحوّل في حد ذاته الى صنف في الفن السابع له تقاليده وأبطاله وتاريخه وما إلى ذلك. ونعني بهذا أفلام السيرة، لا سيما منها تلك التي تطل على «نجوم» القرن العشرين وغيرهم من نجوم القرون الغابرة، في شتى المجالات، فنية كانت أم سياسية أم اجتماعية. صحيح أن عروض الدورة الحالية ل «كان»، وفي مختلف تظاهراتها، لم تأتِ بالكثير مما هو جيّد في هذا المجال، إذ إننا بالكاد شاهدنا أفلاماً جيدة تنتمي الى السياق - راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة -، ولكن الوفرة حضرت في مكان آخر، في المشاريع المعلن عنها للشهور، أو ربما حتى للسنوات المقبلة. مشاريع باتت في حكم التنفيذ أو على وشك الإنجاز، أو تم اختيار ممثليها... ألخ. والحال أن ما يمكن ترصّده منذ الآن، وفق الأخبار والإعلانات وحتى التسريبات أحياناً، يتّصف بكون معظمه يتناول سير أشخاص سبق للسينما أن عالجت حياتهم أو فصولاً منها من قبل، مع تجديدات تبدو مفاجئة أحياناً، وفي أحيان أخرى مثيرة للدهشة. وفي انتظار فرص مشاهدة الأفلام بعد إنجازها، نستعرض هنا عدداً من هذه المشاريع التي لا شك في أن من شأن بعضها أن يثير حماسة منذ الآن، فيما قد يثير البعض الآخر تساؤلات. ولنبدأ هنا من حيث لا بد أن نبدأ، من عند تشارلي شابلن، حيث أعلنت شركتا إنتاج إحداهما فرنسية والثانية أميركية عزمهما تحقيق فيلم تحريك طويل يدور من حول تشارلو وشخصيات فيلمه الرائع «الصبي». صحيح أن هذه لن تكون المرة الأولى التي يُقتبس «الصبي» فيها أو يعاد إنتاجه، لكن المسألة ستتعلق هذه المرة بعمل بالرسوم المتحركة يحكي الحكاية نفسها ويتابع ظروف انتاج الفيلم وعلاقة الصعلوك الشهير بالطفل الذي بات لفترة أكثر شهرة منه. وسيتولى إخراج الفيلم الذي ينجز ثلاثة كتاب السيناريو له حالياً، كل من كريستيان فولكمان وروبرت فيات. سينمائي آخر يحط عليه نعيم سينما السيرة ولا يقل أهمية عن شابلن، هو الإسباني لويس بونويل الذي يحقق المكسيكي سلفادور سيمو عنه فيلماً عنوانه «بونويل في متاهة السلاحف»، ويتناول فيه الخلفيات التي كانت وراء «واحد من أكثر أفلامه ذاتية» مستعرضاً من خلال ذلك اندماج «المبتدع» الحقيقي للسينما السوريالية في الفن السابع ومعاناته المزدوجة مع ذاته ومع شتى أنواع الرقابات مع كل فيلم كان يحققه. غير بعيد من ذلك سنجد السينمائي السويدي الكبير الراحل إنغمار برغمان الذي سيبدأ خلال الأسابيع المقبلة، وتحديداً في السويد ولكن من إنتاج فرنسي إسباني مشترك، تصويرُ فيلم وثائقي عن حياته وسينماه بدعم من أسرة برغمان. ويعني هذا بالتحديد أن مخرجي الفيلم الألمانيين مرغريتا فوت تروتا وفليكس مويلر، سيستفيدان من أرشيف ضخم من صور ووثائق ومخطوطات لم يسبق أن استُخدمت من قبل في أي واحد من الأفلام العديدة التي تناولت هذا المبدع الكبير الراحل قبل عشر سنوات نفسه. ومهما يكن من أمر لعل وجود فون تروتا ومويلر وراء الكاميرا كما الآن وراء طاولة الكتابة، إشارة الى أننا ربما سنكون في صدد عمل جيد وقيّم من حول صاحب «برسونا» و «همس وصراخ»... العودة الى موزار سؤال: من ذا الذي يمكنه أن يجرؤ على أن يحقق فيلماً عن موزار بعدما أقدم ميلوش فورمان قبل عقود على تحقيق «آماديوس»، تلك التحفة السينمائية الخالدة عن عبقريّ الموسيقى لا سيما عن علاقته بسالياري، أستاذه ومنافسه وضحيته، وتحديداً إنطلاقاً من مسرحية كان كتبها بوشكين حول الموضوع نفسه؟ الجواب: المخرج جون ستيفنسون الذي عرض في سوق الفيلم «الكاني» عملاً عنوانه «إستهلال في براغ» يعود الى ما يسميه المخرج حكاية «الحب والجشع والجريمة التي حدثت عام 1787 في براغ» إثر الأحداث التي أثّرت في تلحين موزار لتحفته الموسيقية أوبرا «دون جيوفاني». وتدور أحداث الفيلم في براغ حيث كان موزار أمضى بضعة شهور هارباً من نخبة فيينا، ليجد نفسه أمام سلسلة من الأحداث الغريبة التي ستؤثر فيه وفي فنه لما تبقى له من حياة. ولأن الشيء بالشيء يذكر، ننتقل من موزار الى ماريا كالاس، «ديفا الأوبرا» العالمية اليونانية الأصل، لنلاحظ أن ثمة في المكتبات السينمائية عشرات الأفلام الوثائقية والروائية حتى دون أن ننسى الشرائط والمسلسلات التلفزيونية التي تناولت حياتها وفجائعها، إذ بالكاد يمر عام من دون أن يكون ثمة عمل جديد عنها. لكنها، وعلى عكس ما هو الأمر بالنسبة الى موزار، لم تحظ حتى الآن وبعد سنوات طويلة مضت على رحيلها، بعمل كبير يعرف كيف يضع حياتها في فيلم يبقى خالداً. ومن هنا أهمية الوعد الذي انطلق في كان معلناً أن «الفيلم الكبير عن ماريا كالاس بات قيد التحضير الفعلي الآن» وهو سيكون فيلماً وثائقياً في ساعة ونصف الساعة ما يعني أنه مصنوع أصلاً لمعايير الصالات السينمائية. أما جديده فهو ما أعلن عنه مخرجه توم فولف إنطلاقاً من العنوان نفسه «ماريا كما تراها كالاس» إذ إن الفيلم سيستخدم حوارات وتصريحات ومواقف وحكايات ترويها كالاس بنفسها - بما فيها نصف ساعة مصورة لم يسبق لأحد مشاهدتها - وذلك بالإضافة الى أكثر من 56000 صورة اكتشفت حديثاً، منها 400 صورة يقول فولف انه اكتشفها بنفسه ولم يكن أحد عارفاً بوجودها من قبل. المقاومة بالسلاح الصامت نجم فن كبير آخر من نجوم القرن العشرين ستحل عليه بركة الفن السابع بدوره هو فنان الإيماء الفرنسي مارسيل مارسو. وكان مارسو قد دخل ملكوت السينما سابقاً، مرات كان أشهرها ذلك الدور العابر الذي لعبه في الفيلم السينمائي الوحيد الذي حققه صامويل بيكيت بعنوان «فيلم» جاعلاً من فنان الإيماء هذا والذي لم يكن سبق لأحد أن سمع صوته على المسرح، الشخصية الوحيدة الناطقة في آخر مشهد من الفيلم... الصامت!. هذه المرة سيعود مارسو الى الشاشة الكبيرة ولكن في مجال مختلف تماماً. ففي فيلم «مقاومة» الذي أُعلن في مؤتمر صحافي خاص في «كان» أن جوناثان جاكوبوفتش سيبدأ إخراجه قريباً، سيقوم الممثل الأميركي الشاب جيسي إيزنبرغ (الشهير بدوره في فيلم «الشبكة الاجتماعية» حيث لعب دور مخترع الفايسبوك)، بدور مارسو حين كان خلال الحرب العالمية الثانية، في صفوف المقاومة الفرنسية ضد المحتلين الألمان. ويقول جاكوبوفتش إن الحكاية مبنية على وقائع حقيقية تروي كيف اشتغل مارسو على ملكة التعبير الإيمائي في ذلك الحين كنوع من المقاومة، ما جعل كثراً يرون قرابة بين هذا العمل وفيلم «الحياة حلوة» للإيطالي روبرتو بنيني (وهو فيلم نال الجائزة الكبرى في «كان» قبل سنوات). وصولاً إلى فان غوغ وأخيراً، في السياق ذاته، أعلنت ال «بي بي سي» أنها في صدد إنتاج فيلم عن نجم رقص الباليه الكوبي كارلوس آكوستا الشهير عالمياً باسم «يولي»، يقوم الراقص نفسه بالدور الأول فيه على أن يقوم بدوره شاباً، إثنان من الراقصين الكوبيين الشبان. ويروي الفيلم المأخوذ من كتاب سيرة وضعه آكوستا بنفسه تحت عنوان «ما من طريق الى الديار»، حكاية الصبي الذي نشأ في أزقة هافانا البائسة ليصبح في شبابه واحداً من أعظم راقصي الباليه الكلاسيكي في العالم، وأول راقص أسود يدعى للرقص مع فرقة «الباليه الملكي» في لندن. واللافت أن سيناريو هذا الفيلم الذي سيخرجه الإسباني إيثيار بولّين، هو من كتابة بول لافرتي، الذي يعتبره كين لوتش كاتبه المفضل، حيث انهما تعاونا في تسعة أفلام للوتش عرضت كلها في كان وآخرها «أنا، دانيال بليك» الذي فاز العام الفائت بالسعفة الذهبية في المهرجان. وأخيراً، على سبيل الختام، نشير إلى المشروع الأخير في السياق، وهو ذاك المتعلق بعودة الرسام فنسنت فان غوغ الى الشاشة الكبيرة ولكن هذه المرة تحت ملامح الممثل الأميركي دانيال دافو، الذي يقوم بدور الرسام، الذي سبق أن لعبه على شاشات مختلفة، كل من كيرك دوغلاس، ومارتن سكوسيزي ونصف دزينة من ممثلين آخرين. هذه المرة سيكون الفيلم، وعنوانه «على باب الخلود» من إخراج الرسام والسينمائي جوليان شنيبل، الذي كتب السيناريو شراكة مع الكاتب المخضرم جان كلود كاريير. وسيركز الفيلم على السنوات الأخيرة من حياة فان غوغ، تلك التي أمضاها في آرل وأوفير سور واز الفرنسيتين...