ازداد في عصرنا الحديث وفي شكل لافت للنظر انتشار مرض سرطاني خبيث اسمه «الانتهازية»، وأخذ يلحق الضرر بأناس كثر خصوصاً الوطنيين والسياسيين أصحاب القيم والمبادئ النزيهة. وأصبح يثير الخوف والقلق لما يسببه من نتائج وخيمة وكارثية على المجتمع والشعب. وتساعد على انتشاره مجموعة من الانتهازيين مستخدمين أحدث التقنيات التكنولوجية المختلفة، لما لها من قوة كبيرة ومرعبة في تدمير القيم والأخلاق والمبادئ السياسية والإنسانية. لقد أصبحنا نعانى من هذا المرض الخطر «الانتهازية السياسية»، التي نشاهدها ونعايشها اليوم في سلوك ساسة انتهازيين عاشقين للحكم والمال والجاه وتصرفاتهم، فيستغلون التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة في تدمير المعنويات والمبادئ والقيم الإنسانية والمجتمعية والسياسية والاقتصاد، باستخدامهم لأسلحتهم وأساليبهم القاتلة والمدمرة التي لا تراعي مصلحة الشعب والوطن، إضافة إلى الألفاظ النابية والشتائم والكذب والتخوين وغيرها مستغلين هامش الديموقراطية والحرية المتاحة لهم، فارضين علينا هؤلاء الساسة أصحاب المصالح والألوان المختلفة هذا السلوك غير الديموقراطي وغير الحضاري ورائحته القذرة التي زكموا بها أنوفنا وأثارت عندنا الاشمئزاز والغثيان. إن «الانتهازية» (...) تدفع القيادي الانتهازي إلى الادعاء بالوطنية كذباً وبهتاناً، وان يظهر غير ما يبطن من الفكر والعمل فيظهر نفسه بالحريص والخائف على مصالح الشعب والوطن، وانه صاحب ثقافة عالية حتى يتمكن من تحقيق أهدافه بالوصول إلى ما يريد سواء في الحكومة أو البرلمان. وهذا ما يدفعه إلى التخلي عن ضميره وأخلاقه وطموحه المشروع، ويجعله يبذل جهده بطرق ملتوية وغير مشروعة حتى يصل إلى طموح غير مشروع. لذا تجده عاشقاً لنفسه وللسلطة والثروة والأضواء والشهرة، لأنه يريد تحقيق تطلعاته السياسية والشخصية حتى ولو كانت على حساب دمار أبناء شعبه وقضاياه الوطنية. وتجده كذلك يبالغ في الكذب بخوفه على مصالحهم ودغدغة عواطفهم بشعارات براقة ومزيفة تنتهي بمجرد أن يبلغ السلطة بطرق ملتوية مصحوبة بالكذب والغش والخداع من طريق الانتخابات. ولا يتردد هذا النوع من القيادات في استخدام الدين كسلاح لأن مجتمعاتنا بطبيعتها مجتمعات مسلمة وأغلبها من المطحونين والبسطاء، وهذا يسهل لهم ممارسة كل المحرمات باسم الدين الذي لا يفقهون به شيئاً، لأن دينهم الوحيد هو مصالحهم وأطماعهم في الوصول إلى الحكم والسيطرة على مقدرات شعوبهم حتى تنتفخ بطونهم وتمتلئ جيوبهم. إن أخطر ما في هذه الفئة الانتهازية إيهام الشعب بأنهم وحدويون أكثر من الوطنيين ويدافعون عن الوحدة باستماتة، ويتهمون المعارضين لهم بالانفصاليين والخونة والعملاء إذا كانت الوحدة ستحقق لهم مطالبهم وأهدافهم من وظائف ورواتب وحكم ومكانة اجتماعية وغيرها، أما إذا لم تحقق لهم ذلك فسرعان ما ينقلبون على الوحدة والوحدويين، ويتحولون إلى انفصاليين يحكمون الوحدويين ويذيقونهم أصناف العذاب، ويحولون نضالهم إلى خيانة، وتضحياتهم إلى فساد ومصالح، ويحملونهم مسؤولية ما حدث، ويعتبرون تمردهم على النظام والقانون بالثورة الهادفة للنهوض بالمجتمع والشعب، ومن أجل قضاياه الوطنية. لقد اتخذت الانتهازية السياسية منحنى أكثر خطورة، فتحولت من مرض يصيب الأفراد إلى وباء يصيب الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات، وبالتالي أصبحت تدخل إلى بيوت سياسية كثيرة وتترك أثراً سلبياً على سكانها وأهلها، وهذا انعكس على سلوكهم السيء مع المواطن، فأدى إلى زيادة درجة الغضب والحقد لدى المواطن عليهم وعلى عائلاتهم، وإلى الإضرار بوحدة الشعب الذي من المفترض أن يكون هو المستفيد الوحيد في ظل الديموقراطية والتعددية السياسية ومبدأ التداول السلمي للسلطة، بدلاً من افتعال الأزمات والصراع المدمر للخطط والبرامج التنموية التي تؤدي إلى الإضرار بالمصالح الحيوية للشعب. إن ازدياد الانتهازية وانتشارها في شكل كبير ساعد في القضاء على التجربة الديموقراطية الوليدة، وإشاعة الفوضى، والبحث عن المصالح الشخصية على نطاق واسع، وانتشار الممارسات غير المسؤولة التي ألحقت الضرر بالشعب والقضية في مختلف المجالات. وأضعفت الحكومة والمفاوض الفلسطيني، لكن لا يزال الأمل عند الشعب كبيراً في بداية مرحلة جديدة من الحوار البنَّاء والهادف، ينتج منه التقاء الألوان الفلسطينية للعمل كلها من أجل الاستقرار والأمن والتنمية وسيادة القانون، وفي مقدم ذلك المشروع الوطني، وضد كل من يحاول أن يدمر الثوابت الوطنية والعمل الديموقراطي، من خلال حكومة وحدة وطنية تعمل من أجل القضية الوطنية ومصلحة الشعب.