عندما نتحدث عن أشخاص لهم بصماتهم الواضحة في خدمة أوطانهم أو المشاركة في تنميتها، بكل وجوه الأنشطة سواء كانت تجارية، أم مشاريع سياحية، أم صحية، أم غيرها من الأعمال، فإننا بذلك لا ننافقهم، ولا نلتمس بذلك تقرباً إليهم، ولا تلميعاً لهم، فهم لا يحتاجون إلى ذلك، وأكبر منه، ولكن حينما تجد خصلة حميدة تخلق الإعجاب في نفسك بسلوك وطني، أو خلقي نادر، يبهرك بوجوده في مسيرة الشخص، فإنك لابد من أن تتكلم عن مكمن الإعجاب هذا في سلوك الشخص أو أعماله. عندما كنت في اليمن مع الوفد السعودي المشارك في الأيام الثقافية السعودية هناك، كانت الفعاليات موزعة على مناطق الشمال والجنوب، في كل من العاصمة صنعاء، وعدن، والمكلا في حضرموت، وكان اليمنيون كعادتهم غاية في الكرم المشهور عنهم، وفي التذوق الثقافي المعروف عنهم أيضاً، حضوراً، ومشاركة، وشغفاً بالمعرفة الثقافية، حتى أخجلونا بكرمهم، وتفاعلهم، وعندما انتقلنا إلى الجنوب إلى المكلا عاصمة حضرموت وبعد انتهاء الفعاليات استضاف رجل الأعمال السعودي عبدالله بقشان الوفد على نفقته الخاصة، سكناً، وإعاشة، ومواصلات، بل حتى الحاجيات الخاصة التي كان الوفد يريد أن يشتريها لنفسه كان مساعدوه يحلفون أن ندفع ثمنها، هذا الرجل المعروف بنشاطه التجاري، والسياحي، والصحي في المملكة التي عاش فيها وانتمى لها فأعطت له وأعطاها، كلف مساعديه بضيافة الوفد،لأنه لم يكن حينها موجوداً في حضرموت، بل كان في الرياض، ولكنه أبى إلا أن يكون حاضراً بفعله وضيافته، وتعريفنا بمناطق شاسعة ووعرة لا يستطيع الزائر العادي الوصول إليها، ولكنها جميلة، في بلاده الأم حضرموت. قبل الضيافة ونحن ما زلنا بعد في ضيافة الحكومة اليمنية التي أسبغت علينا كل أنواع الكرم والفن والجمال الإنساني والأخوي والاحتفاء الكبير، كان أول ما لفت نظري في ذلك الفندق البديع «هوليدي إن» المملوك لعبدالله بقشان على شاطئ المكلا، ذلك الشبه الكبير في تفصيل غرفه وطريقة تصميمها، كفنادق المملكة، وزاد في تأملي أثاثه السعودي، بل وأحواضه ومرايا جدرانه ومستلزمات حماماته المكتوب عليها «الخزف السعودي». وفي وادي» دوعن» الذي هو مسقط رأسه، رأيت من الأشياء ما أذهلني من وفاء هذا الرجل لسعوديته، فالعلم السعودي كان محفوراً بالجبس على واجهات منزله الخاص، السعودي المقتنيات الحضرمي التراث، في تصميمه القديم، النابض بأصالة هذا الرجل ووفائه للبلدين، الوطن الأم والوطن البديل، حتى كأنهما متلازمان في كل قطعة وزاوية ووسادة وفرش، مع لوحات الصور للشيخ وأبنائه وأفراد أسرته بزيهم السعودي، والتقاليد السعودية جنباً إلى جنب مع التقاليد الحضرمية. لقد زود هذا الرجل مسقط رأسه «وادي دوعن» بالكهرباء، لكل ساكني الوادي، عدا المستشفى الكبير الذي على وشك الافتتاح، لخدمة سكان الوادي ، إضافة إلى المدارس التي أقامها هناك، وكثيراً من المشاريع التي تعم فائدتها، له ولسكان واديه الجميل الخلاب الذي يقع في مناطق وعرة عسيرة المواصلات، ترى القرى الكثيرة على جانبيه مع أودية فرعية تنمو فيها أشجار النخيل والنارجيل، في طبيعة جميلة ساحرة، كانت في حاجة لتلك المشاريع التي أقامها. هنالك الكثير الذين يصنعون المال ولكنهم لا يستطيعون توظيفه كما يجب، وهنالك الكثير من المنتمين للوطن، لكنك لا تجد هذا الانتماء، بينما من هم مثل هذا الرجل بعيداً عن البريق الإعلامي يعملون بصمت لتشهد أعمالهم، ويعبرون وبصدق عن ولاءاتهم، وانتماءاتهم، لأوطان أحبوها وأحبتهم وسكنوها فسكنتهم. [email protected]