ولدتُ وترعرعتُ في باريس، وأمضيت وقتاً طويلاً وأنا أراقب عن كثب فرنسا وشعبها. وفي ما يلي سبعة أسباب تجعل انتخاب الرئيس ماكرون حدثاً كبيراً فعلاً بالنسبة إلي: 1- إيمانويل ماكرون مناصر للعولمة، وهو أوّل سياسيّ من حقبة ما بعد القوميّة يدير قوّة عظمى. ويمكن تشبيهه بشخصيّات حرب النجوم، كونه لا يهتمّ للون بشرتك أو أصولك بمقدار ما تهمّه الوجهة التي تقصدها. لكنّه أيضاً مناصر للعولمة قرأ «الطريق إلى الفراغ». وهو يفهم أنه لا يكفي القول عن العولمة ما قاله تشرشل عن الديموقراطية، بأنها أسوأ نظام حكم إذا استثنينا جميع الأنظمة الأخرى. وفي حين أنّ إعادة إرساء التوازن بين الغرب وما تبقّى من دول العولمة ليست فقط حتمية بل أيضاً مرغوب بها، ترى القيادة السياسيّة المسؤولة أنّه من الضروريّ عدم ترك القسم الأكبر من إعادة إرساء التوازن هذا على عاتق الطبقات المتوسطة الدنيا في الغرب. 2- يكمن سبب علاقة الحب/ الكراهية المعقّدة بين فرنساوالولايات المتّحدة في أنّهما الدولتان الكبريان الوحيدتان في العالم اللتان زعمتا طوال قرون أنّهما صاحبتا أفضل نموذج اجتماعي قابل للتصدير، في حين يرى الصينيّون والبريطانيّون أنّ نموذجهم الاجتماعي متفوّق، ولا يحلمون حتّى بتصديره. وللمرّة الأولى خلال قرن، بات من المشروع أن تزعم فرنسا أنّ مكانتها منارةً لقيم منطقة الأطلسي هي أكثر مصداقيّةً من مكانة الولايات المتّحدة في هذا الإطار. 3- يتّسم الشعب الفرنسي بسعة خياله، ويحب تداول الأفكار المختلفة إلى ما لا نهاية. وبالتالي، لا عجب إن كانت السياسة الفرنسية بمثابة مسابقة جمال للأفكار، لا تمتّ بأيّ صلة بالواقع، ولا أساس لها فيه. ولا ريب إن بقي الناخبون في البلاد عالقين طوال عقود بين يسار سابق للماركسيّة، يضع الأثرياء والشركات وأرباب العمل والمال في عداد الأمور السيّئة في أساسها، وبين يمين يستعين على الدوام بالعنصريّة، وكره المثلية الجنسية، والتخلّف الاجتماعي، لاستقطاب الناخبين إليه. أمّا إيمانويل ماكرون، فيُعتبَر أوّل سياسيّ جدّي يطلق وعوداً صادقة بتخطّي هذا الخيار الثنائي المريع، مع أنّه في عدد كبير من الدول، ليس في هذا أيّ أمر جديد، ويكفي هنا التفكير في باراك أوباما، وأنجيلا مركل، وويم كوك، وجورج أوزبورن. أمّا في فرنسا، فلم يظهر حتّى يومنا هذا أيّ بطل ذي مصداقيّة يعتمد هذا المنحى. إلى أن ظهر بطل من هذا القبيل، وليس أقلّ من رئيس للجمهوريّة. 4- بين الاقتصادات الكبيرة المتقدّمة، تضمّ فرنسا حتماً النخب الأكثر اعتماداً على المركزيّة المفرطة والمحسوبيّات والتزاوج الداخليّ في ما بينها. ومع أنّ ماكرون كان عضواً بارزاً في هذه النخب منذ وقت طويل، لم يذهب مع أعضائها إلى صف الحضانة (كما هو الحال بالنسبة إلى عدد كبير منهم)، وكَبُر بعيداً من أي حزب سياسي، وهو أمر لم يُسمع به قبلاً في فرنسا. وعلى هذه الخلفيّة، سيحظى حتماً بمستوى غير مسبوق من الحرّية، يخوّله استقدام أفراد من المجتمع المدني، يحكمون جنباً إلى جنب مع سياسيين محترفين قوميّاً ومحلّياً. وينوي ماكرون إرساء حكم يعتمد على الجدارة، ويريد جعل الارتقاء بمستوى المجتمع من أهمّ أولويّاته. 5- في ستّينيات القرن العشرين، ألّف عالِم اجتماع فرنسي كتاباً بعنوان «باريس والصحراء الفرنسيّة». وآنذاك، كانت المركزيّة المفرطة لا تزال واقعاً من حياة الفرنسيّين، وفي تلك الفترة، استولت باريس على جميع الثروات، والموارد، والسلطات، والأرباح في البلاد. ولنحو 40 عاماً، تحوّلت إلى نظام حكم من المسنّين، تحرّكت فيه معدلات البطالة في محيط 25 في المئة. ومن ثمّ جاء ماكرون، وتعهّد باختراق هذا المنحى. 6- نعيش اليوم في عالم يحكمه جيل الطفرة ومسنّون يخدمون مصالحهم الخاصّة. وتحوّلت فرنسا إلى أبرز مثال على نظام حكم المسنّين الذي لا يملك أيّ حسّ بالمصداقيّة. وعلى امتداد السنوات الأربعين الماضية، تحرّكت مستويات البطالة لدى الشباب الفرنسي، بانتظام نسبيّ، في محيط 25 في المئة. ثمّ جاء ماكرون، وتعهّد منح أولويّة كبرى للاستثمار في الإصلاح الشامل لقطاع التعليم. وكونه مقرّباً جدّاً من مؤسسي مدرسة «42» لمشفّري الكومبيوتر، التي لا تضم صفوفاً ولا أساتذة، والتي تمّ تصنيفها أكثر من مرّة كالأفضل في العالم، قد يصبح أحد هؤلاء المؤسّسين وزير تربية. من يدري؟ وكذلك، سيكون لتشجيع الشباب على التنقّل، عبر دعم تكاليف سفر الطلاب والباحثين عن العمل، كوسيلة لمساعدتهم على تحصيل العلم أو الحصول على وظيفة (واكتساب وجهة نظر تقدّمية ومتفائلة أكثر عن العالم)، دور حاسم في جعل فرنسا محيطاً رفيقاً للشباب. 7- أصبح ماكرون للتوّ عضواً في نادٍ مخيف جداً –وحصري-. لكن مع انتسابه إليه، تراجع الطابع المخيف لهذا النادي بنسبة 50 في المئة. وهنا، يدور الكلام عن انضمامه، بحسب ما أورد يان بريمر، إلى نادي الأشخاص ما دون سنّ الأربعين، ممّن يملكون أسلحة دمار شامل، بعد أن كان العضو الوحيد فيه كيم جونغ- أون.