منذ بداياته، كان التحدي الأبرز أمام الذكاء الاصطناعي للآلات متمثّلاً في قدرته على محاكاة ذكاء البشر. ومع العالِم البريطاني آلان تورينغ (1912- 1954)، صيغ ذلك التحدي بوضوح كبير. إذ رأى تورينغ أن ذكاء الآلات مختلف نوعيّاً عما لدى الإنسان من ناحية، لكنه يجب أن يتمتّع بالمواصفات الأساسيّة للذكاء البشري من الناحية الثانية. وصاغ تورينغ اختباراً لذكاء الآلات عُرِف باسمه («تورينغ تيست» Turing Test)، ليكون مقياساً لمدى التقدّم في إنجاز تلك المعادلة الحساسة. واستطراداً، سجّلت شاشات هوليوود القصة المعقّدة لحياة تورينغ في فيلم «لعبة التقليد» Imitation Game (2014، إخراج مورتون تيلديم، بطولة بنيدكت كومبرباتش). وحاضراً، صار الروبوت هو المساحة الأوسع لاختبار قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة ما لدى البشر، بمعنى أن دماغ الروبوت صار اختباراً لمدى أنسنة الذكاء الاصطناعي. ثمة استدراك واجب أيضاً. مع اشتغال العلماء على صنع ذكاء الآلات، ظهرت اعتراضات قويّة ومتعدّدة المصادر في شأن ذلك المسعى. ومع نية عدم التوسّع في ذلك السيل الاعتراضي العارم، يمكن التوقّف عند محطتين تصلحان نموذجاً عنه. ففي عام 1997، استطاع كومبيوتر الشطرنج الشهير «ديب بلو» Deep Blue الذي صنعته شركة «آي بي أم» الأميركيّة، أن يهزم بطل الشطرنج الأسطورة غاري كاسباروف. وفي لحظة ما، تشكك كاسباروف في أنّه لا يلاعب آلة، بل إنسان قادر على المناورة والمخادعة! ومن ناحية، رفعت الهزيمة المدويّة للعقل البشري أمام الذكاء الاصطناعي حدّة الاعتراض على تطوّره، لكنها أشّرت إلى خطوة أخرى في أنسنة ذكاء الآلات أيضاً. في صيف عام 2016، حدث ما رفع حدّة الاعتراض على أنسنة الذكاء الاصطناعي، بصورة مدوية. إذ طالما طمأن صنّاع الروبوت الناس إلى أنه آلة تصمّم بدقة كي لا تؤذي كائناً بشريّاً على الإطلاق. وحدث أن قدّمت شركة «هانسن روبوتكس» Hanson Robotics روبوت على هيئة أنثى اسمها «صوفيا». وأمام عدسات تلفزيونيّة عالميّة، سُئلت «صوفيا» عن علاقتها مع البشر، فأجابت بأنها تعتزم إفناء البشر كلّهم! فجّرت كلماتها صدمة عالميّة، كما رفعت النقاش الاعتراضي على مستقبل علاقة البشر مع الذكاء الاصطناعي إلى مستويات فائقة الحدّة. تطبيقات الصوت والحسّ والحركة بالعودة إلى الروبوت كمساحة اختبار لأنسنة الذكاء الاصطناعي، شهدت السنة الحالية فورة في التطبيقات التي تعين على أنسنة الروبوت. ويجدر تذكر أن العالم يكتظ بعشرات ملايين الروبوتات التي تعمل في أعمال البشر، بداية من روبوتات مصانع السيّارات والطائرات والمركبات، ومن دون الانتهاء بالمستشفيات والفنادق ودور رعاية المسنين وغيرهم. وركّزت تطبيقات الأنسنة لعام 2017 على إعطاء الروبوت بعضاً من أحاسيس البشر، إضافة إلى الحركة الجسديّة. من المستطاع البدء من تطبيق «غوغل أسستنت» Google Assistant. وصنعته شركة «آلفا بت» Alpha Bet في أواخر 2016، ليعمل على الخليوي كجزء من تطبيق تبادل الرسائل الصوتيّة في «غوغل». ويتلقى الأسئلة بالصوت (والكتابة طبعاً)، ويجيب عنها صوتيّاً. وفي العام الحالي، لوحظ انتشاره في الشاشات المثبتة على صدور روبوتات تعمل في ردهات الاستقبال في المعارض والفنادق، لأنه يجعلها قادرة على التحدث صوتيّاً مع البشر. ويعمل تطبيق «أمازون إيكو» Amazon Echo في مجال إعطاء الروبوت القدرة على التحدّث مع البشر، ومحاكاة أحاديثهم العاديّة عن الأخبار والطقس والتاكسي وغيرها. ويثبت في مايكروفونات الروبوت. ويستند إلى برنامج «آليكسا» للخدمات الصوتيّة كي يتصل بمواقع ك «آمازون ميوزيك» و «سبوتفاي» Spotify و «تيون إن» TuneIn (للأغاني والموسيقى). إذا دندنت أمام الروبوت أغنية أو لحناً، يلتقطه الميكروفون المثبت به «أمازون إيكو»، ثم يتجاوب معك بعد أن يحصل على النغم والألحان والكلمات من المواقع عبر الإنترنت. وربما انطلق الروبوت بعدها ليثرثر عن أحوال الطقس أو السياسة! على رغم أنّ تطبيق «أنكي كوزمو» أقرب إلى لعبة مؤتمتة، إلا أنها تستخدم الكاميرا للتعرّف إلى وجه صاحبها، وتحيّته باسمه، قبل أن تنخرط في دردشة عابرة معه. في المقابل، يتميّز روبوت «فِتش روبوتيكس» Fetch Robotics بأنه صارم قليلاً، لكنه يشبه البشر في القدرة على التحرّك بتلقائيّة واستقلاليّة (ولو نسبيّاً)، بمعنى أنه يفكر في قرار الحركة واتجاهاتها والهدف منها، ثم ينفذ ذلك. وبفضل كاميرا مختصة، يرافق عمّال المخازن الكبرى، كي يعاونهم في نقل البضائع بين الأرفف والمستودعات، بل يسير صامتاً بجانب البشر كأنه واحد منهم. من ينسَ الروبوت «سفيرو ب ب- 8» Sphero BB-8 في سلسلة أفلام «حرب النجوم» للمخرج المبدع جورج لوكاس، وتدحرج كرتيه غير المتساويتين حجماً؟ ومن المستطاع توجيهه من الخليوي، والاستمتاع بملاعبة قدراته في التنكّر والتجوّل تدحرجاً بين غرف المنزل. عمّال «يشبهوننا» في المستشفى والمتجر لن يمضي وقت طويل قبل وصول بعض الروبوتات ذات الذكاء المؤنسن إلى الدول العربيّة. سجّلت دبي سابقة في «الروبوت- الشرطي». والأرجح أنّ أمكنة أخرى تنتظر ظواهر مشابِهة. ويتمتّع الروبوت «إيثون» Aethon بأنّه مصمّم خصيصاً للعمل في المستشفيات. وعلى رغم أنّه أقرب إلى خزانة متنقلّة ولا يشبه الإنسان شكلاً، لكن ذكاءه مركّز على تقليد الأداء التمريضي للبشر. وبدقة، يوزّع الأدوية والإمدادات ونماذج المختبر، ما يمنح الممرضين والأطباء والممرضات وقتاً أكبر للتركيز على رعاية المرضى. الأرجح أن شركة «سوفت بنك روبوتكس» Soft Bank Robotics اليابانيّة مضت شوطاً بعيداً في أنسنة ذكاء الروبوت، إذ صنعت «بيبر» Pepper وهو روبوت شبيه بالبشر شكلاً، والأهم أنه يستطيع «فهم» معظم كلام البشر، كما يراقب لغة الجسد عند من يتحدث إليه. ويرد بالصوت وبإشارات من اليدين والرقبة والوجه ما يعني أنه يقلّد لغة أجساد البشر أيضاً. وصار منتشراً في متاجر التجزئة في اليابان. وتشتهر شركة «بوسطن داينامكس» Boston Dynamics بأنها تصنع الروبوتات التي يطلبها البنتاغون كي يستخدمها الجيش الأميركي. وأخيراً، أطلقت الروبوت «سبوتميني» SpotMini الذي يشبه حيواناً منزليّاً أليفاً، كما يستخدم مجموعة من المجسّات والكاميرات تمكّنه من التحرّك بدقّة تحاكي ما تملكه الحيوانات المنزلية. ويقترب من الإنسان عبر قدرته على المساهمة في إنجاز أعمال منزلية كغسل الأطباق والأكواب. في سياق متّصل، هناك مجموعة من الروبوتات التي لا تشبه البشر، ولكنها تتمتّع بذكاء يمكّنها من الانخراط في حياتهم. وتبرز بينها طائرة ال «درون» المتطوّرة «دي جي أي مافيك برو» Dji Mavic Pro. وتتميّز بأنها قابلة للثني، وقادرة على رصد الحواجز أثناء الطيران (أشجار، أبنية، خطوط كهرباء...)، ثم تتجنّبها كأنها تملك عيناً بشريّة. وكذلك، بإمكانها رصد الأشخاص وتعقّبهم، حتى لو تحركوا بسرعة انزلاق المتزلّجين على جبال الثلج. الأرجح أنّ كثيرين ينسون أن السيارة الذاتيّة القيادة تعتبر تقنيّاً من أنواع الروبوت. وفي السنة الحالية، ظهرت سيّارة «تسلا موديل أس» Tesla Model S المزوّدة بمجموعة من الكاميرات والمجسّات تتحكم بتلك السيّارة الكهربائيّة المؤتمتة وتحافظ على سيرها في الطرق السريعة، وتعدّل سرعتها لتتماشى مع حركة المرور في المحيط، وكذلك تستطيع ركن نفسها بنفسها. ومن ضمن الأدوات التي تستعمل الذكاء الاصطناعي المؤنسن، تأتي كاميرا «نست» Nest للمراقبة المؤتمتة المدعومة ببرنامج يمكنها من التمييز بين البشر من جهة، وكائنات متحركة أخرى كالحيوانات، وهو أمر يفيد سيّارات الروبوت أيضاً. وبفضل مجسّات فائقة الذكاء، يستطيع الروبوت - المكنسة الكهربائيّة «إيه آي روبوت رومبا» تميّز مواصفات الأرضيّات والأسطح التي يعمل على تنظيفها، فتنجز عملها بدقة تفوق ما يستطيع بلوغه كثيرون من «أندادها» من الناس. وفي إطار متّصل، تستطيع نظارة «هولولنس» Hololens (صنعتها شركة «مايكروسوفت» العملاقة) رؤية كامل المحيط الفيزيائي الذي يحيط بمستخدمها. ثم ترسم خرائط عنه وتفهمه، وتحوّله إلى مجموعة من المشهديات الثلاثية الأبعاد. كذلك تتخصّص شركة شاحنات «أوتو» المملوكة من مجموعة «أوبر» في تحويل شاحنات الحفارات الكبيرة التقليديّة، مركبات ذاتية القيادة، عبر تزويدها بآلات وبرامج تخوّلها رؤية الطرقات ووضع خرائط عن المسارات.