حذر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب من تطور ظاهرة «الإسلاموفوبيا» إلى «الدينوفوبيا» في القريب العاجل، داعياً القيادات الدينية في العالم إلى ترسيخ مفهوم المواطنة. ورد مُجدداً على الهجوم الذي تعرض له الأزهر في مصر في أعقاب الهجومين الانتحاريين الأخيرين على كنيستي طنطا والإسكندرية، وقتل فيهما أقل من 50 شخصاً، معتبراً أن تحميل الأزهر مسؤولية الهجومين «مسرحية مفضوحة». وقال شيخ الأزهر في كلمته أمس خلال انعقاد الجولة الخامسة من «الحوار بين حكماء الشرق والغرب» في مشيخة الأزهر تحت عنوان «دور القادة الدينيين في تفعيل مبادرات المواطنة والعيش المشترك»، إن موضوع المواطنة هو المرشح لأن يكون موضع اهتمام القادة الدينيين في الشرق العربي والإسلامي، إذ مثّل التحدي الأكبر الآن في ظل دعوات الإرهاب وتنظيراته التي تحاول أن تضلل عقول الشباب شرقاً وغرباً، وترسِّخ في أذهانهم وتصوراتهم أفكاراً خاطئة عن دولة الإسلام، ومحاولة استعادة مفاهيم ومصطلحات تجاوزها الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية منذ سقوط «الخلافة العثمانية». وأوضح أن نظام الخلافة الإسلامية في الأزمنة الماضية كان يقضي بأحكام تشريعية معينة اقتضاها منطق العصر آنذاك في ما يتعلق بحقوق غير المسلمين في دولة الخلافة. وقال إن من المنطق، بل من فقه الإسلام نفسه، أن هذا النظام السياسي حين يتغير، فبالضرورة تتغير معه أحكام كثيرة أو قليلة ارتبطت بهذا النظام وقامت على أساسها علاقة غير المسلمين بالدولة الإسلامية، مشيراً إلى أنه في ظل هذه التحديات تصبح قضية «المواطنة» هي القضية الأولى التي يجب أن يتحدث فيها قادة الأديان لأنها الرد العملي على هذه «الأوهام» التي تجد من الدعم المادي والأدبي ما خيل لهؤلاء المتوهمين أن العمل على تحقيق هذه الأوهام جهاد في سبيل الله وعود بالإسلام إلى عصور المجد والعزة. وأكد شيخ الأزهر أنه ليس هناك من شك في أن المواطنة هي الضامن الأكبر لتحقيق المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين، مضيفاً أنه بالنظر إلى أن المواطنة قائمة فعلاً في المجتمعات الغربية، كان التحدي الأكثر حضوراً هناك هو التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا، وهي ظاهرة شديدة الخطر إذا ما تركت تتدحرج مثل كرة الثلج، ولم تواجه ببيان حقيقة الأديان وفلسفاتها ومقاصدها، محذراً من أن تتطور ظاهرة «الإسلاموفوبيا» اليوم إلى ظاهرة «الدينوفوبيا» في الغد القريب. وشدد على أن مشكلة الأديان السماوية اليوم لا يمكن أن تحل بالانشغال بالصراع في ما بينها، وإنما الخطوة الأولى للحل هى إزالة ما بينها من توترات، ومن مواريث تاريخية لا يصح أن نصطحب آثارها السلبية، أو نستدعيها في الوقت الذي نواجه فيه نذر معركة طويلة مع أعداء الأديان. ودعا الى الحذر من أكاذيب الإعلام التي تربط الإرهاب بالإسلام، وتتهم المسلمين باضطهاد مواطنيهم من إخوتهم المسيحيين، وأن الإسلام أو الأزهر «في أحدث مسرحياتهم المفضوحة» وراء التفجيرين الإرهابيين الأخيرين (في طنطا والإسكندرية). وقال إن مثل هذه الأكاذيب لم تعد تنطلي على عاقل يقرأ الأحداث وما وراءها قراءة صحيحة، إذ إن الحقيقة التي يثبتها الواقع هي أن الإرهاب يقتل المسلمين قبل المسيحيين، فغايته «ضرب استقرار الأوطان»، ولتأتِ الوسيلة من مسجد أو كنيسة أو سوق أو أي تجمع للبسطاء الآمنين. من جانبه، قال الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي القس أولاف فيكس تفانيت، في كلمته خلال الجلسة، إن المجلس حريص على الشراكة التي تربطه بمجلس حكماء المسلمين لما له من جهود كبيرة في نشر السلام، ودعوة القادة الدينيين للحوار وتعزيز السلام العالمي، مضيفاً أن هذه العلاقة في غاية الأهمية بالنسبة الى مجلس الكنائس العالمي، إذ إن الإسلام والمسيحية هما أكبر ديانتين تدعوان للسلام في العالم، لذلك يجب أن تتحد جهود القادة من الديانتين من أجل السلام والخير لكل الإنسانية. وأضاف أن الإسلام بطبيعته دين منفتح على الأديان والطوائف كافة، وهو دين يدعو إلى الحوار مع الجميع من أجل تحقيق السلام، موضحاً أن الحوار بين القادة الدينيين له تأثير في المجتمعات التي ينتمون إليها. وأكد أن دعوة شيخ الأزهر لترسيخ مبدأ المواطنة تمثل أهمية كبيرة لتحقيق السلام بين المجتمعات كافة، إذ إن استخدام مصطلح الأقليات يحمل في طياته معاني العزلة والتفرقة بين المواطنين في الدولة الواحدة، داعياً الدول الأوروبية ألا تفرق بين المسلمين والمسيحيين عند استقبالها لاجئين من مناطق النزاعات.