بلغت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ذروة تأزمها أمس، إذ أدرجتها الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا مجدداً على لائحة الدول الخاضعة لمراقبة، فيما دعت المفوضية الأوروبية إلى مناقشة صيغة جديدة للعلاقات مع أنقرة. ويعكس قرار الجمعية مخاوف الاتحاد ممّا يعتبره «قمعاً» للمعارضة، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في تموز (يوليو) الماضي، وانتهاكات لحقوق الإنسان خلال عهد الرئيس رجب طيب أردوغان. لكن أنقرة نددت بقرار «جائر» أعدّته «دوائر خبيثة»، معتبرة أنه «عار على تكتل يزعم أنه مهد الديموقراطية». تزامن ذلك مع رفض المحكمة الإدارية والمحكمة الدستورية العليا طلب المعارضة درس طعونها في نتائج الاستفتاء الذي أقرّ تعديلات دستورية تحوِّل النظام رئاسياً في تركيا. ويطبّق مجلس أوروبا، وهو الهيئة المعنية بحقوق الإنسان في القارة، خطة مراقبة خاصة به على كل الدول عندما تنضمّ إليه. وقرّرت الجمعية البرلمانية في المجلس إدراج تركيا ضمن دول تخضع لمراقبة أداء أجهزتها والتزامها الديموقراطية والحريات، بينها روسيا وأذربيجان وجورجيا. ويشكّل ذلك مؤشراً إلى تراجع الديموقراطية في تركيا إلى ما دون مستوى معايير كوبنهاغن التي يجب التزامها، من أجل بدء مفاوضات العضوية في الاتحاد. ويعني ذلك خفض مستوى تركيا على مقياس الاتحاد إلى ما قبل العام 2004، حين بدأت تلك المفاوضات. وأُقرّ قرار الجمعية (مقرّها ستراسبورغ) بغالبية 113 صوتاً، في مقابل 45، بعد نقاش دام نحو 3 ساعات. وأثارت لجنة الرصد التابعة للجمعية التي تضمّ نواباً من دول أوروبية، مخاوف في شأن التعديلات الدستورية في تركيا، وحول حملة «تطهير» طاولت أكثر من مئة ألف موظف عام وقاضٍ ومدعٍ وأكاديمي وصحافي وشرطي وعسكري، بعد المحاولة الانقلابية. وانتقدت أجواء سبقت تنظيم الاستفتاء، ومراسيم طوارئ صدرت بعد المحاولة الفاشلة. وقالت مقررة تركيا ماريان ميكو، إن التعديلات الدستورية «لا تستجيب لتفهّمنا الأساسي والمشترك للديموقراطية»، مشددة على أن المراقبة ليست «عقاباً»، بل محاولة لتعزيز الحوار مع تركيا. وأعربت عن خيبة لأن السلطات التركية تدرس إعادة تطبيق عقوبة الإعدام. ووصفت الخارجية التركية قرار الجمعية في مجلس أوروبا ب «الجائر»، مُعتبرة أنه أُقرّ «تحت إشراف دوائر خبيثة في الجمعية، وهذا عار على تكتل يزعم أنه مهد الديموقراطية». وأضافت أن «القرار لا يترك لتركيا خياراً سوى مراجعة علاقاتها مع المجلس»، مشيرة إلى أن رهاب الأجانب والإسلام «ينتشر مع العنف» في أوروبا. وتحدث وزير شؤون الاتحاد الأوروبي عمر شيليك عن أن القرار «خطأ تاريخي لمجلس أوروبا والجمعية البرلمانية». في بروكسيل، دعا يوهانس هان، مفوّض شؤون التوسيع في الاتحاد الأوروبي، وزراء خارجية التكتل لدى اجتماعهم بعد غد، إلى مناقشة صيغة جديدة للعلاقات مع تركيا يمكن أن تهدّئ شعوراً متبادلاً بالخيبة، وتعزّز التعاون بين الجانبين، معتبراً أن «الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر». في غضون ذلك، أعلنت المحكمة الإدارية في تركيا رفضها درس طلب قدّمه «حزب الشعب الجمهوري» المعارض يطعن في قبول اللجنة العليا للانتخابات بطاقات اقتراع غير مختومة في الاستفتاء، معتبرة أنها لا تملك صلاحية للنظر في القضية. في السياق ذاته، صدرت عن رئيس المحكمة الدستورية زهدي أصلان، إشارتان مختلفتان، إذ أعلن أنه ليس من اختصاص المحكمة درس طعن المعارضة في قرار لجنة الانتخابات، أو في قرارات الحكومة تحت قانون الطوارئ، في تصريح اعتُبر دعماً كاملاً للحكومة. لكنه صاغ عبارة اعتبرها زعيم المعارضة كمال كيليجدارأوغلو اعترافاً واضحاً بارتكاب اللجنة تجاوزات ضخمة في عملها، إذ قال زهدي: «من الخطأ تغيير أو تجاوز مواد القانون الصريحة، بحجة الاجتهاد، أو تغيير الدستور بالاستعانة ببعض مؤسسات الدولة». ورأى كيليجدارأوغلو أن زهدي يشير إلى قرار لجنة الانتخابات التي «اجتهدت في قبولها الأصوات غير المختومة، على عكس حكم القانون»، معتبراً أن «أردوغان عدّل الدستور بالتعاون مع لجنة الانتخابات، لا بإرادة الشعب». ودعا إلى إعداد دستور جديد لتركيا، لا الاكتفاء بتغيير مواد فيه.