كان حسن(11 سنة) يؤدي حركات استعراضية مرتدياً لباس الكونغ فو، حين سأله شقيقه: «ماعاد تفعلك تيه الفلخة لو جاء العدو ومعه مسدس؟». ما نطق به الصغير لا يعدو أن يكون تعبيراً بريئاً عن حال راهنة يعيشها الطفل اليمني منذ نعومة أظافره في بيئة اجتماعية ما انفكت تتشرب قيم القتال وتمجده. وهناك من يعتبر وجود نحو 62 مليون قطعة سلاح، ناهيك بالجنابي (الخناجر) والمفرقعات التي صارت لعبة رائجة لدى الأطفال في المناسبات وغيرها، جزءاً من الهوية والخصوصية. وتبدو الظاهرة القتالية ملازمة لليمني من المهد إلى اللحد. فهو يفتح عينيه على الدنيا، على صوت الرصاص الذي يطلق عادة ابتهاجا بمجيء المولود. وعندما يقرر دخول عش الزوجية تكون لعلعة البنادق والمفرقعات في استقباله، ويلقى عدد من اليمنيين صغاراً وكباراً، حتفهم بعيارات طائشة ومتعمدة . لا غرابة إذاً، والوضع كذلك، أن تاتي الفنون القتالية الحديثة مثل الكونغ فو، الجيدو، الكاراتيه، على هامش الاهتمام العام ويُنظر إليها باعتبارها لياقة بدنية ومحض ترف واستعراض اجتماعي أكثر مما هي قدرة قتالية حقيقية. ومنذ سنوات، شرع كثير من الأسر الميسورة، وبخاصة تلك التي اعتادت ان تقضي الصيف في دول عربية وأجنبية، على دفع صغارها للالتحاق في دورات في فنون القتال. وشهد أحد نوادي صنعاء، اخيراً، مسابقات للفتيات من بينها الفنون القتالية حيث قدمت عدد من التلميذات عروضاً شيقة. بيد أن انخراط الإناث في الألعاب القتالية وفي الرياضة عموماً ما زال ضعيفاً. وبدا إن عدم وجود نواد تتوافر على سعة المساحة وتقدم خدمات الترفيه وممارسة الرياضة معاً يقلل من فرص التحاق الصغار في دورات تعلم الفنون القتالية وبخاصة الإناث كما يحول دون تمكن الأسرة من حضور تدريبات صغارها. ويرى المربي عبدالله مكرد ان عدم اتساق المجتمع اليمني على سياق حديث أدى إلى وضعية الشدّ والجذب التي عليها ممارسة الرياضة النسوية. ويوضح أن تأرجح المجتمع بين التقليدية والحداثة جعل من ممارسة الأنثى لرياضة مثل الكاراتيه ضرباً من الثورة والتمرد. وبدا ان تبلور هذا الميل واستواءه على مشهد الحاجة العامة والمساواة يمكن ان يغدو رافعة رئيسة لفك الارتباط مع نمط التنشئة السائدة والتي قد تدفع برياضات الدفاع عن النفس الى مضمار العنف والتطرف على غرار ما فعل بعض المدارس في ثمانينيات القرن الماضي والتي خرج منها بعض الجهاديين ممن شاركوا في افغانستان بعدما تأهلوا في فنون القتال الى جانب استخدام السلاح. ولا يزال المثال العنفي حاضراً، وعلاوة على الجنبية التي يحرص بعض الآباء على إهدائها لصغارهم، تشكل المسدسات والبنادق، غالبية الهدايا التي يطلبها الصغير عادة. ويعتقد مكرد ان فك اللبس في النظرة الى هذا النوع من الرياضة يتطلب اعادة موضعة لاستراتيجيات التربية والاعلام، موضحاً ان الطفل يترعرع في أسرة ومجتمع يحثانه على أن يكون رجلاً وان يكون المعتدي وليس المعتدى عليه. اذ يُعيب الأب أن يأتيه ابنه باكياُ و يقول ضربني فلان، وفي مثل هذه الحال قد لا يكتفي الأب بتوبيخ الصبي بل قد يعاقبه.