أقرّ أقطاب الساحة الحزبية وكبار المعلقين في إسرائيل بصعوبة قراءة الخطوات التي قد يقْدم عليها رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في الأيام القريبة وما إذا كان جاداً في تهديده بتبكير الانتخابات العامة على خلفية النزاع مع وزير المال موشيه كحلون حول إطلاق «اتحاد البث العام» من عدمه، على رغم موقف معارض من غالبية أقطاب «ليكود» الذي يقوده نتانياهو لتبكير الانتخابات «على خلفية قضية هامشية». وكان نتانياهو هدد وزير المال بأن إصرار الأخير على إطلاق «اتحاد البث» الجديد ليحل محل «سلطة البث» القديمة، سيقود نحو أزمة ائتلافية، متظاهراً بشفقته على نحو ألف موظف في «سلطة البث» سيتم فصلهم عن العمل، علماً بأن نتانياهو نفسه كان بادر في الحكومة السابقة إلى قانون «اتحاد البث» واعتبر سلطة البث مهترئة ويسارية «تناصر حركة حماس». وبعد يومين من مساعي وزراء في «ليكود» للتوصل إلى حل وسط مع الوزير كحلون، بعث نتانياهو الذي يقوم بزيارة عمل إلى الصين، برسالة تؤكد رفضه أي تسوية يبقى في إطارها مديرا الاتحاد اللذان اختيرا في مناقصة رسمية في منصبيهما، بداعي أنهما صاحبا أجندة يسارية. ويطالب نتانياهو بإقالتهما وتعيين شخصين محسوبين على اليمين ليديرا «الاتحاد» الجديد. كما يطالب بسن قانون «الإشراف على الإعلام» الذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة في تشديد رقابتها على وسائل الإعلام. من جهته، يرفض كحلون أي شروط غير مهنية، مشيراً أيضاً إلى أن القانون لا يجيز له أو لرئيس الحكومة تغيير مديريْ اتحاد البث. وما زاد الطين بلة بنظر نتانياهو (ووفق المراقبين بنظر زوجته أيضاً)، هو اختيار المديريْن الإعلامية المرموقة المعروفة بوصفها محاورة جريئة ومهنية غيئولا إيفن ساعَر، لتقدم نشرة الأخبار المركزية في قناة التلفزة الجديدة. وغيئولا هذه هي زوجة وزير الداخلية السابق جدعون ساعَر الذي ترك الحلبة الحزبية قبل أقل من ثلاثة أعوام «احتجاجاً على تسلط نتانياهو على ليكود»، وما زال يعتبر أقوى الشخصيات في «ليكود» القادرة على تهديد عرش نتانياهو، وسط ترجيح عودته قريباً للترشح على قائمة «ليكود» الانتخابية علماً بأنه فاز في المرتين السابقتين بالمكان الأول في الانتخابات الداخلية في الحزب. ويشير المراقبون إلى العداوة القديمة بين الزوجين نتانياهو وساعر، واصفين تعيين غيئولا مقدمة لنشرة الأخبار المركزية بأنه «إصبع في عين نتانياهو ومناكفة لا يقبل على نفسه تحملها»، وهو الساعي أصلاً من وراء إقامة «اتحاد البث» إلى تفعيل قناة تلفزة مناصرة له تختلف عن القناتين التجاريتين، الثانية والعاشرة، اللتين يعتبرهما مناوئتين له ولسياسته. وقال معلق الشؤون الحزبية في الإذاعة العامة حنان كريستال، إن كلاًّ من نتانياهو وكحلون يتمترس خلف موقعه ويرفض النزول عن السلّم العالي، ما ينذر حقاً في حال لم يتنازلا قليلاً، بتبكير الانتخابات. وأضاف أن دوافع نتانياهو ما زالت غامضة، مكرراً أن قضية تحقيقات الشرطة معه في ملفات فساد ونيتها تقديم لائحة اتهام ضده تعتبر «دافعاً حقيقياً»، لكنه لم يستبعد أن يكون الدافع سياسياً أيضاً يتعلق بالضغط الأميركي عليه للجم الاستيطان، فيما حزب المستوطنين الشريك في حكومته «البيت اليهودي» يرفض سماع ذلك. ورأى المعلق أن عودة ساعَر إلى المعترك السياسي تقض مضاجع نتانياهو، خصوصاً أن ساعَر مدعوم علناً من كبرى الصحف الإسرائيلية «يديعوت أحرونوت» ومالكها نوني موزس. وفي «ليكود» ما زال الوزراء النافذون يعارضون تبكير الانتخابات خوفاً من خسارة «ليكود» الحكم في انتخابات جديدة، فضلاً عن أنهم يرون أن الموضوع الذي يعتمده نتانياهو لتبرير تبكير الانتخابات لا يستحق إرهاق الدولة في انتخابات جديدة بعد عامين فقط على الانتخابات الأخيرة. كما يعارض تبكير الانتخابات أعضاء الكنيست «من الصف الثاني» في «ليكود» الذين يخشون عدم انتخابهم مع تغيير طريقة الانتخابات الداخلية في الحزب ويسعون لإنهاء ولايتهم أواخر العام 2019، الموعد الرسمي للانتخابات المقبلة. وباستثناء حزب «يش عتيد» (هناك مستقبل) الذي يقوده وزير المال السابق يائير لبيد، الذي تتوقع الاستطلاعات أن يضاعف تمثيله الحالي (11 نائباً)، فإن سائر الأحزاب تعارض الانتخابات المبكرة، لعدم جاهزيتها لخوضها، خصوصاً تحالف «المعسكر الصهيوني» الذي تتوقع الاستطلاعات أن يتراجع تمثيله البرلماني إلى أقل من نصف ما هو عليه اليوم.