ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، قبل ساعات من سفره إلى الصين، قنبلة في الساحة الحزبية عندما هدد بتقديم موعد الانتخابات العامة، تاركاً أقطابها وكبار المعلقين يتساءلون عن دوافعه، من دون استبعاد أن يكون الدافع الرئيس يقينه باقتراب توصية من «وحدة التحقيقات في الشرطة في قضايا الفساد» إلى النيابة العامة بتقديم لائحة اتهام ضده في ملف تلقيه هدايا ثمينة من صديقه رجل الأعمال الأميركي أرنون ميلشين. وفي خطوة مفاجئة، استدعى نتانياهو إلى منزله نهار أول من أمس ثلاثة من أبرز وزراء حزبه «ليكود» لاجتماع تشاوري طارئ، للبحث في «سبل منع اتحاد البث العام» الجديد من بدء العمل في 30 الشهر المقبل وفق قانون سنّه الكنيست ليحل محل «سلطة البث» التي تم الاتفاق على حلها وتسريح نحو ألف من موظفيها وبيع مكاتبها، وهو قانون بادر إليه نتانياهو شخصياً قبل أكثر من عامين ورمى بكل ثقله لتمريره، وفي دعايته الانتخابية قبل عامين وصف الموظفين والصحافيين في «سلطة البث» ب «رجال حماس» بداعي ان الإذاعة الرسمية تناصبه العداء. وقبل أشهر، كلّف وزير المال زعيم حزب «كلنا» موشيه كحلون تطبيق قانون إقامة «اتحاد البث» الجديد، لكنه أخذ يتراجع عن الفكرة بداعي فوز صحافيين «يساريين» في مناقصة إدارة الاتحاد الجديد. وفجأة، ومع تواتر احتجاجات موظفي سلطة البث ضد «قذفهم إلى الشارع وإلى سوق البطالة» ولقائه ممثلين عنهم، طلب نتانياهو من وزير المال فحص سبل الحفاظ على سلطة البث القديمة وإرجاء بدء عمل «اتحاد البث» أو دمجه فيها، ما اعتبره الأخير محاولة من نتانياهو لتحريض موظفي سلطة البث ضده وتحميله مسؤولية فصلهم وتبرئة ساحته، لكنه عاد وعدل عن الطلب واعتذر من كحلون الخميس الماضي على تسرعه، ومنحَه الضوء الأخضر لتهيئة اتحاد البث للانطلاق. ومع خروج السبت، فاجأ نتانياهو، على صفحته في «فايسبوك»، بتغريدة كتب فيها: «غيرتُ رأيي في أعقاب لقائي ممثلي سلطة البث... وخلافاً لمعطيات وزارة المال، فإن تكلفة مواصلة تشغيل سلطة البث أقل بعشرات ملايين الشواقل من تكلفة اتحاد البث، وعليه لا حاجة إلى اتحاد البث». وقبل صعوده سلم الطائرة مقلعاً إلى الصين فجر أمس، قال نتانياهو: «لا حاجة لنا لاتحاد البث... على شركائنا في الائتلاف الحكومي احترام رغبتنا»، مضيفاً أنه لن يتردد في تبكير الانتخابات إذا أصر كحلون على موقفه. لكن ردود الفعل على تصريحه لم تلقَ تأييداً، وتحديداً في صفوف حزبه «ليكود»، إذ سارع عدد من وزراء الحزب إلى التصريح بأن الحزب ليس معنياً بتبكير الانتخابات «على قضية هامشية»، وأنه يجدر السعي من أجل رأب الصدع بين نتانياهو وكحلون. كذلك أعلن قادة غالبية الأحزاب أنهم ليسوا معنيين بتبكير الانتخابات، و «هو آخر ما يمكن أن تكون إسرائيل في حاجة اليه اليوم»، وفق زعيم «إسرائيل بيتنا» وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان. وقالت الوزيرة أييلت شاكيد (البيت اليهودي) كلاماً مماثلاً. وكان وزير النقل، الشخصية النافذة في «ليكود»، يسرائيل كاتس الذي استبعده نتانياهو عن الاجتماع التشاوري في بيته، أول من أطلق معارضته تبكير الانتخابات، وقال للإذاعة العسكرية أمس إن الائتلاف الحكومي الحالي «متجانس تقريباً أيديولوجياً وسياسياً، ولا يعقل الآن حله بسبب خلاف على ملف الاتصالات»، مضيفاً أن نتانياهو لم يجر أي نقاش في هيئات الحزب على مسألة تبكير الانتخابات. وشدد على أن غالبية زملائه في قيادة «ليكود» تعارض تبكير الانتخابات. واتفق أقطاب في الحلبة السياسية ومعلقون كبار على أن الدافع الرئيس وراء التحولات المتواترة في موقف نتانياهو، هو قناعته بأن الشرطة تعتزم تقديم توصية إلى النيابة العامة بتقديم لائحة اتهام ضده في ملف الهدايا بعشرات آلاف الدولارات التي تلقاها وزوجته من ميلتشين، وأنه يدرك أن الإعلان عن انتخابات مبكرة سيرجئ تقديم اللائحة إلى ما بعد الانتخابات. ورأى آخرون أن وراء القرار ضغطاً من زوجته ساره وابنه يائير اللذين يدعيان أن الصحافيين الذين اختيروا لإدارة اتحاد البث والعمل فيه «يساريون»، ما يتطلب إلغاء هذا الاتحاد أو دمجه ضمن سلطة البث. ولم يستبعد آخرون أن نتانياهو ليس جدياً في تهديده بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، إنما «أراد فرض عضلاته لإعادة جميع الوزراء المتمردين إلى الثلم». واستذكر مراقبون أن نتانياهو بكّر الانتخابات الأخيرة، قبل عامين بالتمام، على خلفية موافقة شركاء له في الائتلاف الحكومي على قانون يضعف صحيفة «إسرائيل اليوم» المجانية المحسوبة بوقاً له ولسياسته.