كشف حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم أن اتفاقه مع شركائه في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في شأن القضايا العالقة المرتبطة بالاستفتاء على تقرير مصير الجنوب الذي تبقت له 54 يوماً، شمل غالبية القضايا عدا ملفي منطقة أبيي والمواطنة، ووجّه اتهاماً مبطناً إلى شركائه بتحريض الجنوبيين في شمال البلاد على مقاطعة التسجيل للاستفتاء الذي دخل يومه الخامس. وقال نائب رئيس الجمهورية علي عثمان طه إن حزبه «المؤتمر الوطني» توصل إلى اتفاق إطار مع «الحركة الشعبية» لتسوية القضايا العالقة المرتبطة بالاستفتاء وترتيبات ما بعده عدا ملف النزاع على منطقة أبيي واجراء استفتاء على مستقبل المنطقة وموضوع المواطنة التي تحدد مصير الجنوبيين في شمال البلاد والشماليين في جنوب البلاد في حال استقلال الجنوب. وبدا متفائلاً بالتوصل إلى تفاهمات بين الشريكين خلال اجتماع مؤسسة الرئاسة الذي يضم الرئيس عمر البشير ونائبيه سلفاكير ميارديت وطه المقرر منتصف الاسبوع المقبل عقب عودة الرئيس السوداني من الأراضي المقدسة. وكشف طه أن الرئاسة ستدرس مقترحاً من الوسيط الافريقي في عملية السلام ثابو مبيكي في شأن أبيي، ودعا إلى الابتعاد عن كل ما يعكّر الأجواء السياسية في البلاد وعن المخاشنة السياسية وإطلاق الاتهامات، مؤكداً التزام حكومته بتنفيذ اتفاق السلام بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء. وعُلم أن حزب «المؤتمر الوطني» تراجع عن شرطه استكمال ترسيم الحدود بين شمال البلاد وجنوبها قبل الاستفتاء. وأقر الطرفان إرجاء النظر في النقاط الحدودية الخمس المختلف عليها، واتفقا على استمرار العمل بالجنيه السوداني لفترة انتقالية محددة في حال انفصال الجنوب، واستمرار تصدير نفط الجنوب عبر أنابيب تعبر الشمال إلى ساحل البحر الأحمر بإيجار يُتفق عليه بحسب الاتفاقات الدولية، وكذلك معالجة قضايا الديون الخارجية والمياه والتنسيق الأمني والسياسي وتسهيل انتقال السلع والأفراد عبر حدود شطري البلاد. وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» إن شريكي الحكم باتا على قناعة أن نتيجة الاستفتاء على مستقبل منطقة أبيي أيّاً كانت نتيجته يمكن أن تؤدي إلى إشعال حرب في المنطقة وإن الراجح تجاوز الاستفتاء فيها وإقرار تسوية سياسية «منصفة ومقبولة من سكان المنطقة من القبائل الافريقية والعربية». لكن أعيان منطقة أبيي من عشائر دينكا نقوك الافريقية هددوا في ختام مؤتمر تشاوري عُقد في جوبا عاصمة الجنوب بمنع رعاة قبيلة المسيرية العربية من دخول أبيي أو البقاء فيها إذا لم تحدد مؤسسة الرئاسة السودانية المفوضية والقانون المنظم لاستفتاء المنطقة في مهلة أقصاها 30 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري. وطلب رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت من قيادات دينكا نقوك منحه فرصة أخيرة لحسم قضية أبيي عقب عطلة عيد الأضحى. واتهم سلفاكير حزب «المؤتمر الوطني» بعدم الجدية في تنفيذ بروتوكول أبيي ضمن اتفاق السلام وقرار هيئة التحكيم الدولية بترسيم حدود المنطقة. واختتم المؤتمر في جوبا بعشر توصيات وُصفت بالمتشددة ومن شأنها توتير الأجواء بين قبائل المسيرية والدينكا أبرزها إمهال الشريكين حتى نهاية الشهر من أجل التوصل إلى حل يُنهي معضلة أبيي. وأشارت التوصيات، بحسب مصادر موثوقة، إلى أن الفشل في التسوية سيدفع بقيادات البلدة إلى تنظيم استفتاء آحادي الجانب. كما قرر المؤتمر عدم السماح لرعاة المسيرية ابتداء من الصيف بالرعي في مناطق الدينكا. واعتبرت التوصيات أن الحديث عن التعايش يعبّر عن ضعف الدينكا، وأكدت استعدادهم لتحمل تبعات منع المسيرية واستعدادهم لأي تطورات. إلى ذلك، اتهم مساعد الرئيس السوداني نائبه في «المؤتمر الوطني» نافع علي نافع لجاناً من مفوضية الاستفتاء بعرقلة عملية تسجيل الناخبين في الخرطوم. وكان بعض الجنوبيين اشتكى من رفض مفوضية الاستفتاء تسجيله. ولم يذكر نافع تلك الجهات التي قال إنها تقوم بتضليل وتخويف الجنوبيين في الشمال لمنعهم من التسجيل بهدف إفشاله. وتفقّد وفد من قيادات «المؤتمر الوطني» عدداً من مراكز التسجيل للاستفتاء في محليات ولاية الخرطوم. وانتقد نافع تعقيد الإجراءات في مراكز التسجيل، الأمر الذي أوحى بأن هناك مقاطعة من جنوب الشمال للتسجيل. وقال نافع إن تعقيد الإجراءات تسبب في معاناة تكبدها كثيرون من الراغبين في التسجيل، متهماً جهات لم يسمها بأنها تسعى إلى عرقلة تسجيل الجنوبيين في الشمال، مطالباً بضرورة تسهيل إجراءات تسجيل الناخبين الجنوبيين، ونافياً الإشاعات التي تقول بتعرض كل من يتسجل من الجنوبيين في الشمال إلى مخاطر. وأشار إلى أن هناك تدافعاً كثيفاً بدأ في مراكز الشمال إلا أن نقص الأوراق الثبوتية يحول دون تسجيل كثيرين. وحض أبناء الولاياتالجنوبية على الإقبال على التسجيل لممارسة حقهم في التصويت، مؤكداً أنهم في حزب «المؤتمر الوطني» يحتاجون لكل من يحق له التصويت من أجل تغليب خيار الوحدة، لكن قطع بأن أياً من خياري الوحدة أو الانفصال سيجد قبولاً تاماً من حزبه إذا تمت العملية بشفافية ومن دون ضغوط، مؤكداً أنهم لن يسمحوا بممارسة أي ضغوط من أي شكل على أبناء الجنوب. وفي جنوب البلاد، قال رئيس اللجنة الفرعية للاستفتاء في مقاطعة توريت في ولاية شرق الاستوائية، ايفاريم لونجرين، إن خمسة مجتمعات في الولاية قاطعت عمليات التسجيل بسبب عدم وجود ممثلين لأبناء المنطقة ضمن ضباط مراكز التسجيل، موضحاً أن المجتمعات تشمل على الأقل قبائل اولينانغا وتوباك وشالاميني، مشيراً إلى أنهم يحاولون حل هذه المشكلة. وأعلنت حكومة جنوب السودان أنها خصصت أكثر من ثمانين مليون جنيه سوداني (اربعة ملايين دولار) لتعبئة الأحزاب السياسية والإعلام خلال فترة الاستفتاء. وقال نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار خلال اجتماع لأحزاب سياسية إن قادة الأحزاب أشادوا بسير عملية التسجيل وناشدوا مواطني جنوب السودان المحافظة على هذه الروح.