كلما أمعن الإنسان في الاختلاف صار غريباً عن مجتمعه، بَيْدَ أن سحر الغرب يبهرنا، فنحاول جاهدين الاندماج مع البريق والحضارة الغربية، لا سيما الأميركية في شكل خاص، فتختفي معالمنا وقد نفقد في الطريق إليهم بعض مبادئنا، فحينما تتلاشى الحدود، يختلط الحابل بالنابل، فلا يُعرف الطالح من الصالح، فتتشوه الصورة و تتلاشى الهوية. في الماضي القريب كانت السينما مرتبطة بالأدب، بينهما علاقة وثيقة، كان من الممكن أن تستمر لولا بروز أشخاص لا علاقة لهم بالثقافة والأدب لا من قريب ولا حتى من بعيد، والأمَرّ أن السبل التي تصل أولئك الأشخاص بالأخلاق الحميدة مقطوعة، فباتت السينما التي تعكس ثقافة أمة وأخلاقها بلا ثقافة، بلا أخلاق. ترعرعنا منذ الصغر على تبرير أخطائنا باتهام الآخرين، والبحث عن شماعة نعلق عليها فشلنا و سقوطنا نحو الهاوية، فكلما جاء من يحاججنا في ما آل إليه الأدب من إهمال، وما آلت إليه السينما من تدهور وتوجه إلى الاندثار، أرحنا ضمائرنا باتهام اليد العليا التي تمسك بكل الخيوط، أو وجهنا اللوم للجمهور، وكأن ذلك الجمهور منشق عن البيئة التي تربى فيها، والكاسب الأكبر نتيجة هذا التدهور هو المنتج الأبطال النافذون. أنا لن أنكر نجاح قلة من الأفلام في الأونة الأخيرة، ولا أكذب ولا أنافق حينما أقول إن هناك بعض الأفلام ارتقت الى مستوى المشاهدة، بل احترمت عقلية المشاهد وأبعدت عنه صفة اللاوعي و اللامبالاة، لكنها قليلة تلك الأفلام بحيث تصبح في طي النسيان. عندما نتحدث عن مستوى السينما هذه الأيام، فهناك كمٌ لا يستهان به من الأفلام الخالية من الإبداع والمعنى. أمر آخر يحيرني، لماذا كل هذا الإجرام في السينما اليوم، فقد وصل الحال الى شيء لا يتحمله حتى من لا إحساس لديه، مشاهد القتل باتت أفظع من القتل نفسه، الدماء أغزر من سيل الأنهار. لماذا كل هذا العنف؟ حتى الحب صار اغتصاباً، لقد فقدت الرومانسية معناها واحساسها الحقيقي، أمسى العنف سمة غالبة في كل الأفلام رومانسية كانت أم عكس ذلك، فماذا ينشد القيمون على هذا الفن من وراء الزحف خلف اللاطبيعي واللامحدود؟ ما الذي يبحثون عنه في رحلة التقليد الأعمى للغرب؟ أين نحن من كل هذه الحضارة وهذا التطور؟ ما هي هويتنا الحقيقية؟ تحول البعض لمقلدين أو سارقين عفواً مقتبسين وانزوى الإبداع جانباً. إننا بحاجة الى العودة للطبيعة، الى ما وراءها من أسرار، بل نحتاج من وقت لآخر إلى تأمل سحرها، كي تبقى قلوبنا نابضة بالإحساس، وحتى لا نتحول إلى اللامبالاة، اللاإحساس، وربما الإجرام. إن الفن صفة مرتبطة برهافة الاحساس، فهل مشاهد العنف في الحب واللاحب تعبر عن حس رفيع؟ أين القصة التي تجعلنا نتناسى كل ذاك العنف؟ أصبحت العلاقة بين الأدب والسينما كما هي بين العرب وإسرائيل، بَيْدَ أنه يلوح في الأفق أمل يبشر بتلاقي الطرفين، ولربما تعود السينما كسابق عهدها، تُعنى بالموضوع أكثر من اعتنائها بمجرد مشاهد غريبة عن عالمنا وواقعنا.