لا ينسى العاملون في السلطة الرابعة في مصر ذلك اليوم الذي توقفت فيه صحيفة «البديل» ذات التوجه اليساري عن الصدور قبل نحو سنة ونصف السنة، بعدما واجهت أزمة مالية طاحنة استمرت أشهراً عدة. حاول القائمون على الجريدة وقتها الحفاظ على منجزهم الذي أثرى المشهد الصحافي في مصر، محققاً قاعدة جماهيرية لا يستهان بها. لكن المال، إحدى دعائم أي مشروع صحافي، لم يتوافر لهم وقتها، فكان التفكير في إعادة إطلاق جريدة «البديل» في صيغة إلكترونية باسم «البديل الجديد»، إذ لا حاجة إلى أموال طائلة لتنفيذ الفكرة، فضلاً عن ارتفاع أسهم الصحافة الإلكترونية في مصر في شكل لافت يوماً تلو آخر. تنطلق الجريدة في صيغتها الإلكترونية ب 30 صحافياً بينهم صحافيو الجريدة القدامى الذين وقفوا خلف النسخة الورقية، إضافة إلى صحافيين جدد مع الحفاظ على توجهها اليساري. ويوضح رئيس تحرير الجريدة خالد البلشي أنه لا يوجد خلاف قانوني مع مالكي الجريدة القدامى، مشيراً إلى استعداده للتنازل عن الموقع لهم إذا أرادوا، لكن مع الاستمرار بمحرريها الأصليين الذين تطوعوا جميعاً لإعادة إطلاق الموقع. أعيد إصدار الموقع مجدداً بالجهود الذاتية لصحافيي «البديل» الشباب على أمل تعويض الإنفاق من الإعلانات، كهدية إلى روح مؤسس «البديل» الكاتب والصحافي الراحل محمد السيد سعيد، فيما تكفل البلشي بنفقات إطلاق الموقع الجديد الذي صممته الشبكة العربية لحقوق الإنسان. ويشارك في الكتابة في الموقع كتّاب مخضرمون مثل سكينة فؤاد وعبدالحليم قنديل وجميلة إسماعيل وجورج إسحاق. وعن المنافسة مع الصحف الإلكترونية المصرية الأخرى، يقول البلشي: «محررو البديل يعملون حالياً بحلم جديد وبجهود محدودة للغاية، ما سيجعل المنافسة مع مواقع المؤسسات الإلكترونية صعبة، ولكن صحافيي «البديل» قادرون على المنافسة على رغم تواضع الإمكانات. منافسة الصحف الإلكترونية ستكون عبر المتابعة الدقيقة للأخبار والتوجه والرؤية السلمية، إذ إن سقف الحريات في موقع «البديل» سيكون بالقدر ذاته الذي كان موجوداً في الجريدة الورقية قبل توقفها». وستتناول الجريدة القضايا من بعد اجتماعي، إذ ستركز على العمق في رصد ما وراء الخبر، والتحقيقات الاستقصائية، مع إلقاء الضوء على القضايا النوعية التي تخص الطبقات المعدمة من الشعب. تصميم الموقع جاء بسيطاً وجذاباً، إذ يسهل على القارئ استعراض غالبية الأخبار والمقالات، فضلاً عن احتوائه على قسم خاص لما يعرف ب «صحافة المواطن» التي تعد من أنشط الأقسام في غالبية الصحف العالمية. يذكر أنه كان يفترض أن يُرفع رأسمال الجريدة قبل توقفها منذ نحو سنة ونصف السنة من 5 ملايين جنيه مصري إلى 20 مليوناً، إلا أن الأزمة العالمية التي ضربت استثمارات ممولي الجريدة حالت دون ذلك. إلى ذلك، فإن بعض الجهات أوقفت تمويلها بسبب توجه الجريدة اليساري، كما أثرت الأزمة المالية على الشركات التجارية التي تعتبر الرافد الأساسي للإعلانات المدفوعة، في وقت فرضت الدولة حصاراً على الصحيفة عبر حرمانها من الإعلانات. وأدى قرار توقف الإصدار اليومي إلى ظهور حال من التعاطف والتأييد على المستويين الشعبي والصحافي، حتى إنه دشنت مجموعات مؤازرة عدة على موقع «فايس بوك»... وغيره من المنتديات الإلكترونية لجريدة أثرت سوق الصحافة المصرية بالكثير من الانفرادات الصحافية التي فجّرت قضايا شغلت الشارع المصري. ويبقي السؤال: هل ستنجح التجربة الإلكترونية ل «البديل» والتي يظل رأس المال عنصراً مفقوداً بها، اعتماداً على العمل التطوعي للصحافيين فقط؟!