إن كان من شيء يُغبط عليه أهل «الدثور» والأموال، فهو مقدرتهم على أداء فريضة الحج ب «تمتع» ورفاهية من دون أن يحسبوا لكلفة ومصروفات النسك ألف حساب كما هو حال الكثيرين ممن تمنعهم قلة ذات اليد من تأدية فريضة العمر، أو نافلة تجب ما قبلها.تجمع هذه الفئة من الحجاج «الموسرين» أجر الفريضة مع رغد العيش في أيام معدودة في رحاب الحرم المكي والمشاعر المقدسة فحملاتهم هي في واجهة الجمرات مباشرة، ويسكنون أعلى الطوابق المطلة على الكعبة المشرفة، هؤلاء هم أهل الدثور الذين ذهبوا بالأجور، وما زالوا يرفعون في كل عام مستوى الخدمات والفخامة و «الأبهة» في الحملات إلى أرقام فلكية، فمن كان يصدق أن صعيد «منى» التي ارتبط اسمها بالخيام ستضرب على أرضها أعمدة البناء وتبنى فيها أفخم الفنادق، ومن كان سيصدق أن فريضة الحج المرتبطة بشيء من المشقة والتقشف، ستكون موسماً للسياحة والتمتع بنفحات «الجاكوزي» وقائمة الطعام ذات الخمسة نجوم، فيكون مقر بعض الحملات أشبه بمنتجع متكامل الخدمات، وتكون خدمات التنقل في أرتال من السيارت الفاخرة، من كان ليصدق ذلك لولا أنه كان حقيقة رأتها العين. وفي مقابل متعة الروح بالقرب من رحاب الله، ومتعة الجسد بالتنعم بالراحة ولذيذ الطعام ووثير الفراش، يشقى كثيرون في جمع مبالغ تمكنهم من أداء فريضتهم، فيستدين بعضهم، ويقترض آخرون، وتمني فئة منهم النفس برحلة الحج في الموسم المقبل وضمن أولوياتهم توفير المال لحملاتٍ تغالي في أسعارها وتضيف مبالغ وكلفة إضافية كل عام على الحجاج بحججٍ وأعذار مختلفة. تشير الأرقام أن كلفة الحج لهذا العام زادت عن موسم الحج الماضي بنسبة 20 في المئة، بسبب غلاء أسعار المواد الأساسية وارتفاع أسعار معظم السلع وكلفة الإعاشة، إضافة إلى تقلص المساحات المخصصة للخيام في مشعر منى بعد أن دخل قطار الحرمين الخدمة في هذا العام، وهو ما اضطر عدد من الحملات للاعتذار عن استقبال الراغبين في الحج منذ منتصف الشهر الماضي. ورغم أن إرهاصات الارتفاع بدأت منذ أعوام، وبدأت التحذيرات الرسمية من رفع الأسعار على الناس، وتوعد المخالفين بالشطب من قائمة الخدمة إلا أن مؤشر الأسعار يرتفع صاعداً إلى الأعلى من دون مراعاة لفريضة دينية يكون الكسب فيها حلالاً من دون تحايل أو غش. وكان رئيس لجنة الحج العليا الأمير نايف بن عبدالعزيز على رأس المنتقدين لهذه الظاهرة حينما صرح بأنه «أمر غير مقبول» لأن الخدمات التي تقدمها مؤسسات الحجاج سواء من الداخل أو الخارج فيها مبالغة كبيرة ويجب أن يعاد النظر فيها، مشدداً على ضرورة ضبط هذا الأمر لتأخذ كل مؤسسة ماتتسحقه فعلاً وبأرباح معقولة. أمام هذا الارتفاع أعلنت وزارة الحج عن تدشينها لبرنامج منخفض الكلفة للمواطنين أو المقيمين الراغبين في أداء الفريضة هذا العام من ذوي الدخل المحدود، وقالت إن أسعارها ستتراوح مابين 1900 ريال إلى 3900 ريال، وتتوافر فيها خدمات السكن والإعاشة والتنقل، غير أن كثيراً من المؤسسات تتهرب من الدخول في هذا البرنامج خوفاً من أن تضيع أرباحاً هائلة كانت تجنيها من برامجها السابقة ذات الجودة المنخفضة والكلفة العالية، ويبقى أن المؤسسات المنضوية في قائمة هذا البرنامج ستكون في اختبار حقيقي يكشف مدى ملاءمتها للشروط والمواصفات المفصلة التي أعلنت عنها، وقدرتها على تلبيتها من دون تقصير.