تحتفي فرنساوإيطاليا ومصر ولبنان بصدور فيلم «داليدا» من إخراج ليزا أزويلوس، وعرضه في الصالات، تزامناً مع الذكرى ال83 لميلاد أيقونة الأغنية الفرنسية داليدا. وتلعب الممثلة الايطالية سفيفا الفيتي دور داليدا في الفيلم الذي يقام عرض افتتاحي خاص له في بيروت غداً (الأربعاء) قبل أن يبدأ عرضه في الصالات العامة في 9 الشهر الجاري. وبعد 30 سنة على رحيلها لا تزال داليدا رمز الأغنية الفرنسية التي لاحقها القدر التراجيدي، تسحر الجماهير بأغانيها الواقعية وأسرارها وسيرة حياتها الدرامية المأسوية الصاخبة بالحب والإبداع. تلك المرأة التي كانت تحسدها نساء العالم على جمالها وذكائها واستقلالها وحريتها ونجاحها وشعبيتها التي لا تتكرّر، قررت إنهاء حياتها الأسطورية نهاية تراجيدية، بعدما هجرها الحب والأمل ولم يلوّن أيامها أي طفل وباتت هي التي تعطي كل شيء من دون أن تُعطى شيئاً. أصبحت وحيدة لا ينتظرها زوج يعانقها عندما تعود إلى المنزل، ولا طفل تقبّله بعد نهار متعب وتورِثه الثروة التي جنتها بعرق جبينها. أرملة مهجورة وعاشقة مغدورة، ليس لديها من تثق به وتتقاسم معه كل نجاحاتها. «اعذروني، الحياة لم تعد تحتمل»، كتبت في رسالتها الأخيرة، شربت جرعات كبيرة من المهدئات والحبوب المنوّمة، أطفأت الأنوار على رغم أنها كانت تخاف الظلمة، وهربت من الشعور بالوَحدة وعدم الإحاطة بأشخاص يحبونها ويظهرون لها هذا الحب ويعبّرون عنه بشكل ملموس. وربما هربت من الشعور بالقهر من الحياة أو من الأحلام التي تكبر أكثر بكثير مما نريد ومما نتوقع وتتركنا تائهين يتمتّع الآخرون بنجاحنا بينما نحن وحيدون كالأيتام. غادرت داليدا حزينة، مثل نساء شهيرات أردن إنهاء الأسطورة بقرار شخصي، كما فعلت كليوبترا ومارلين مونرو وسعاد حسني والأديبة الإنكليزية فيرجينيا وولف والمغنية آيمي وينهاوس. نساء يتمتّعن بالقوة والجمال والذكاء، لكن الحب خذلهنّ وكان السبب المباشر لقتلهنّ! في ال34 من عمرها، اختبرت داليدا أول عاصفة مأسوية في حياتها، يوم حملت من حبيب عمرها لوتشيو تنكو الذي كان يصغرها ب16 سنة، ولكنها أسقطت الجنين بناءً على طلب الحبيب الذي كانت داليدا مستعدة لتنفيذ كل ما يطلبه. لكن هذا الطلب الذي جعلها عاقراً بعد عملية جراحية، سيساهم لاحقاً في جرح كبير لا يندمل على خط داليدا المأسوي مع الوحدة. هذه الحادثة كانت جزءاً مهماً من الدراما التي عاشتها ابنة حي شبرا المهاجرة الفقيرة مع أهلها من إيطاليا إلى القاهرة، يوم كانت عاصمة آمنة وتتمتّع بهامش فريد من الحرية. وساهم في تعميق الجرح، أن لوتشيو انتحر لاحقاً، كغيره من غالبية الرجال الذين أحبّتهم داليدا. حالة العشق الأسطورية تلك جسّدتها داليدا في أكثر أغانيها شاعرية ونجاحاً «كان قد بلغ 18 عاماً» (Il venait d'avoir 18 ans) بعد سنوات من انتحار لوتشيو ابن الثامنة عشرة. وعند صدورها في 1974، سجّلت واحداً من أكبر نجاحاتها واحتلت المرتبة الأولى في 9 بلدان. لكن داليد أكملت مسيرتها وقاومت كل الصعاب التي مرّت بها وانتصرت على نفسها، علماً أن المأساة كانت تلاحقها. من مصر أتت الفنانة التي باعت 140 مليون ألبوم في العالم، إلى مدينة الأحلام والفنون باريس في مرحلة مهمة، يوم أتى الكاتب والمؤلف الموسيقي الايطالي اليوناني جورج موستاكي الذي ولد في الإسكندرية أيضاً وتوفي في نيس. وتنقلت بين أم الدنيا وفرنساوإيطالياوالولاياتالمتحدة واليابان، إضافة إلى لبنان حين استقبلها قصر البيكاديللي في سهرتين غنائيتين أقيمتا في 8 و9 كانون الثاني (يناير) 1971، كانتا من أنجح الحفلات في تاريح هذا المسرح العريق. وتربّعت داليدا على عرش الأغنية الفرنسية، وكانت أول من أطلق أغاني الديسكو وأبدعت في تقديم الاستعراض الغنائي الراقص حتى في بلد الاستعراض الولاياتالمتحدة، وأنجح من غنى في برامج المنوعات في الثمانينات. وغنّت على أهم المسارح في العالم، ونالت أسطوانة ماسية لأنها باعت 85 مليون نسخة للمرة الأولى في تاريخ بيع الأسطوانات عام 1981، إضافة إلى بيعها 55 أسطوانة ذهبية مغناة بسبع لغات. كل ذلك النجاح، إضافة الى قصتها التراجيدية جعلا الناس يتعلّقون بها ويلاحقون أخبارها حتى اليوم. ولكنها ليست الوحيدة التي كان لها قصص تراجيدية وأسطورية، فهناك إديث بياف وشارل أزنافور من رواد الأغنية الفرنسية، الذين ارتبطت شخصياتهم بالأغنية الواقعية في القرن العشرين. ولكن سرّ داليدا يكمن في مزجها بين التراجيديا والصوت الحساس الشجيّ، والضحكة والإغراء والجمال وصناعة الترفيه مع الأزياء اللماعة والبراقة.