خلال الأعوام الثلاثة الماضية، لفتت نظري كثرة الصيدليات في شوارع الرياض (الأقرب أن هذا الوضع ينطبق على بقية المناطق)، إلى درجة أن هناك شوارع تجاوز عدد الصيدليات فيها عشر صيدليات على رغم أن طولها (أعني الشوارع) لا يتجاوز ثلاثة كيلومترات. أجزم أن هذا الوضع فاجأ كثيرين غيري، ولن أصدق أن مستوى الربحية في الصيدليات مغرٍ إلى هذه الدرجة، خصوصاً أن الانتشار جاء في فترة وجيزة، وعن طريق مساحات واسعة من المحال التجارية، وهنا مكمن الغرابة. المتابع العادي يرى أن معظم ما يباع في هذه الصيدليات ليست له علاقة بالأدوية، فهناك تركيز على المساحيق والكريمات والعطورات وما إلى ذلك من الكماليات، إضافة إلى وجود اختلافات وفروقات كبيرة في الأسعار بين الصيدليات، وقد وقفت على ذلك كثيراً خصوصاً في أسعار حليب الأطفال وبعض الأدوية الخاصة بنزلات البرد. في الحقيقة وبحسب ما أراه فإن انتشار الصيدليات واختلاف أسعار البضائع فيها يشيران إلى أمرين، أحدهما بات مؤكداً، ألا وهو رداءة الخدمات الصحية المقدمة من المستشفيات، خصوصاً التي تشرف عليها وزارة الصحة، وهذا الجانب تدعمه كثرة الصيدليات التي لا يزال مسلسل انتشارها الواسع مستمراً. الأمر الآخر هو أن هناك بوادر فوضى عارمة تتحملها أيضاً وزارة الصحة، سواء من ناحية اختلاف الأسعار أو من ناحية بيع منتجات لا علاقة لها بالصحة أو المستشفيات أو الأطباء. لن أتوسّع كثيراً، وسأركز على النقطة الأخيرة المتمثلة في خروج نشاط الصيدليات عن الجادة المرسومة له أو على الأقل الطريق الصحيح، فعلى رغم أن كثيرين تعودوا على شراء الكريمات والمساحيق والشامبوهات من الصيدليات، لاعتقاد البعض أن تلك المنتجات مضمونة الجودة مادام أنها تباع في مرفق صحي، إلا أن هذا الوضع يعد غريباً ومعاكساً لطبائع الأمور. ويكفي أن أسأل سؤالاً واحداً: ما علاقة هذه السلع بالعلاج أو بالأدوات الطبية؟ قد يقول قائل إنه لا يشترط أن ينحصر نشاط الصيدليات في بيع الأدوية وملحقاتها، والإجابة هي أنه لا بد أن يتم التركيز على النشاط الأساسي للصيدليات ولا تتعدى دورها المناط بها، خصوصاً إذا علمنا أن تراخيص الصيدليات تصدر من وزارة الصحة، فهل هناك علاقة بين وزارة تعنى بالصحة وسلع تجارية الهدف منها الرفاهية والتجمل؟ لا بد من الفصل بين نشاط بيع الأدوية والمستلزمات الطبية وبين الاتجار في سلع بعيدة عن هذا المجال، أو بالأحرى ننتظر من المسؤولين في وزارة الصحة إلزام الصيدليات بالاقتصار على النشاط الصحي فقط، خصوصاً أن ما تحققه من أرباح في هذا المجال يعتبر عالياً بكل المقاييس، والفضل بعد الله يعود إلى وزارة الصحة التي اكتفت فقط بصرف البنادول والفيفادول وما شابههما من علاجات شبه مجانية.