حبل المودة شبه متآكل بين جيل الآباء وأبنائهم، ويبدو للعيان أن وجهات النظر بينهما، لا مجال لأن تتلاقى أو تتناغم، فلا يزال الكبار يبكون على أطلال الماضي، ولا يزال الشباب متمسكين بالمستقبل بعنف. كلاهما مستغرق في دفع الاتهامات عن نفسه، والحقيقة كما تبدو، أن جيل الشباب يسعى جاهداً لإثبات ذاته، ولربما يتخذ البعض من أجل ذلك طرقاً ليست صحيحة، وثلة من جيل الآباء تخشى فقدان الهوية، لذا تجتهد في محاولة التقليل من شأن الشباب وانتقاد أعمالهم بشدة. نشأ آباؤنا في ظل جيل حمل الأدب فوق أكتافه، وبين أشجار العلم التي عرّشَتْ في كل الأنحاء استظلوا، وعلى أيدي أجداد حفروا الأرض ونحتوا الصخر بأظفارهم تعلموا، لكن جيلنا نشأ في ظل التشتت بين إرث الآباء المفعم بالأدب والعلم وبين حاضر الغرب البراق، فهم جيل الكتاب، ونحن جيل التقنيات الحديثة، فكل شيء يبهرنا ويدفعنا الى المضي وراءه، بداية من عشرات المحطات الفضائية والشبكة العنكبوتية، والإعلام الذي بات جاذباً لعقولنا وطموحنا، بغض النظر إن كان إعلاماً هادفاً أم لا. فعصرنا عصر الصور المبهرة التي لا تتيح لنا وقتاً للتفكير أو مطالعة صفحة واحدة، بينما هم يحتضنون بين أيديهم كتب الأجداد. بَيْدَ أن على آبائنا ألاّ ينسوا الفرق الشاسع في النواحي المادية والاجتماعية بيننا وبينهم، فشتان ما بين الجيلين، فلماذا جُلّهم مستمر في قطع حبال المودة بيننا وبينهم، ولماذا لا يعطوننا الفرص كما فعل أجدادهم. من لا شيء، من العدم، أتينا نحن وهم، فلماذا إذاً كل هذا التجاهل، فهل جاؤوا من شيء آخر غير العدم؟