قبل إسبوع تقريباً من إعلان نصف «التحالف الشيعي» على ترشيح الوزير الأول مرة ثانية للحكومة نشرت إحدى الصحف العربية الموالية لايران هذا التعليق ضمن تحليلها لما يجري في العراق: «وفي السياق، تنقل مصادر قيادية عراقية عن مصادر أميركية معنية قولها إن قرار الإدارة الأميركية بتأييد المالكي جاء خلال اجتماع عقده الرئيس باراك أوباما لأركان إدارته المعنيين بملف العراق، وبينهم بايدن. «سألهم: لو جاء علاوي رئيساً للوزراء، هل يستطيع أن يحكم؟ كان الجواب لا. عاد وسأل: لو جاء المالكي، هل هو قادر على أن يحكم؟ كان الجواب نعم. فقال: المالكي إذاً». هذه عينة من طبيعة ومحتوى الصراع الذي يجري في العراق بين مختلف الأطراف وفي المقدم طرفا الاختلاف- والتساكن الكوندومينيوم الاميركي الايراني. النتيجة المعلنة بترشيح المالكي وبغض النظر عن الآراء القانونية والضغوطات التي تتعرض لها المحكمة العليا من قبل الاحتلالين الاميركي والايراني فإنها تدفع «العملية السياسية» إلى طور جديد قد لا يبدو مختلفاً عن السابق بمضمونه الفكري والسياسي بل إنه يؤكده ولكن على قاعدة الانتظار المتوتر وبداية مرحلة «انتقالية مؤقتة» تكون قادرة على الفرز بين اتجاهين لبناء العراق الجديد: الأول هو العراق الطائفي في العهود السابقة تحت «الرعاية» الدولية، والثاني راهناً العراق الطوائفي تحت «الحماية» الدولية - الاقليمية. ناهيك عن أن الطرفين، اميركا وايران، يخططان من خلال تشكيل الحكومة الحالية في المرحلة الموقتة المقبلة إلى التخلص من الطرف الآخر ويستخدم هذه النخب الفريدة كأدوات لتنفيذ مآربه التكتيكية أولاً والاستراتيجية ثانياً، علماً أن هذه المعارك الطاحنة القريبة ستكون أولاً مقدمة للامتحانات السياسية والعسكرية التي سترتبط بها وستمهد الطريق أمام الدخول في زمن الفوضى الشاملة، والكلام هنا للمحلل الاميركي السياسي – الأمني مايكل نايتس، والتي من الصعب «إدارتها» من دون أن تتطور إلى حرب أهلية ضروس تؤدي إلى التقسيم الشامل والعكس هو الصحيح أيضا. ويعلق المحلل النرويجي ريدار فيسر بأن ما حصل هو الأسوأ من بين السيناريوهات السيئة التي توقعها البعض خلال الفترة المنصرمة. لأن «دولة القانون» بهذه الخطوة و»القائمة العراقية» بقرار انسحابها من تأييد الوزير الأول قد حرقتا الجسور للتعايش ومنعتا فرصة تحقيق تحالف أو تفاهم بين الطرفين. بمعنى أن القائمتين قد أصرتا في «غياب» حركة علمانية وطنية ديموقراط ية حقيقية، ولو من داخل العملية السياسية، على قطع الطريق لتطور الوضع في النهاية من مرحلته «الطوائفية» إلى مرحلة «العلمانية الوطنية» المبتغاة. المفارقة في الصراع الدائر الحالي أنه لا يحدث بين «مكون» من المكونات مع «مكون» آخر أو مع «المكونات» الأخرى بل أن الصراع داخل المكون «الشيعي الطوائفي» هو الذي عرقل تشكيل الحكومة ولمدة 208 أيام لحد الآن. وقد شخصت صحيفة «فايننشال تايمز» هذا التدبير حين قالت الكاتبة رلى خلف: «إن إيران وأميركا تتفقان على المالكي والقوى السياسية تختلف عليه». بهذا المعنى فإن سياسة الادارة الحالية هي امتداد للادارة السابقة وهو الالتزام بالمحاصصة «الطوائفية العرقية» التي ثبتها بول بريمر وهي تعني عمليا حكم «الطوائفية الشيعية» حصرا التابعة لايران، وليس الشيعي المستقل أو الشيعي المناهض لايران أو المرتهن للمحاور العربية أو الدولية، بالتعاون مع المكونات الأخرى التي يفترض أن تحميها الولاياتالمتحدة. ويبدو الآن من سياق المناورات والاشتباكات اليومية أن المعركة القائمة الفعلية هي ليست تشكيل الحكومة فقط وإنما البدأ بتفكيك القوائم الموجودة من أجل تسهيل عملية خلط الأوراق وإعادة تشكيل نفس الكتل بأوضاع مغايرة أو بتحالفات أخرى. والسؤال هو كيف يمكن مثلاً بحسب المحاصصة «الطوائفية» والتي تعطى «للشيعة» الموالين لايران أن يحكم «التحالف الوطني» باعتباره «ممثلهم الشرعي والوحيد». وهو يحمل من المشاكل والنزاعات ما جعلته عاجزاً عن تحديد مرشحه لمدة أكثر من ستة أشهر؟ وكيف يمكن الاطمئنان إلى أن «القائمة العراقية» ضمن خطوط البيان الطوائفية المطروحة في البازار السياسي أن تكون فعلاً «الممثل الشرعي والوحيد»: تارة «للعلمانية» الجديدة وطوراً «للطوائفية السنّية» التي تمزقت قبل الجميع وفي سياق التحضير للانتخابات تحديداً. من هنا فالنائب رشيد العزاوي، من جبهة التوافق، يدعو الى توزيع المناصب السيادية بين المكونات الرئيسة حتى وان لم تشارك «العراقية» حفاظاً على حقوق «أخواننا السنّة».!! وهذا الاقتراح بدوره لا يثبت فقط تشتت «الطوائفية السنّية» أيضا وإنما عدم وجود مرجعية «وطنية علمانية» حقا ذات أفق ديموقراط ي سليم سواء كان في داخل «العملية السياسية» المشوهة أو خارجها. لقد تمكنت اميركا من فرط عقد «الائتلاف الوطني» بأدوات ايرانية فهل تحاول ايران إنجاز نفس الغرض وتحطيم «العراقية» بأدوات اميركية؟ واللافت للانتباه أن الطرف، حزب الدعوة، الذي يروّج له بأنه «المستقل» عن القرار الايراني هو الذي يسير اكثر في الاتجاه العام «للعملية السياسية» والمرتبط مع الكوندومينيوم الاميركي الايراني ويمثل مصالحهما وهو الذي يمثل الجانب الديكتاتوري والاقصائي من «العملية السياسية». بينما نجد أن «المجلس الأعلى» بزعامة عمار الحكيم، المتهم «بالعمالة» لايران، هو الذي يحاول النأي بكتلته عن الضغوطات الخارجية ويعلن أن الطريق السليم هو الاحتكام العراقي إلى قواعد «اللعبة» الديموقراط ية في الصراع والاختلاف أو الاتفاق. كما أن «المجلس» هو الذي طرح بوضوح وعلى لسان أكثر من قيادي فيه أنه آن الآوان : «التخلص من نظرية الرجل الذي يحكم العراق» وإلى مكافحة ميول وتورم بعض الشخصيات ورغبتها في إعادة إنتاج حكم «الحزب الواحد» وترسيخ فكرة سخيفة روّج لها جيفري بوكانان» الناطق الرسمي للقوات الاميركية في العراق بأن الاتفاق حصل على «المالكي» لأنه المرشح «default» الموجود في حلبة التنافس. بيد أن الصورة العلنية التي بثت في اعلان ترشيح المالكي تؤكد على أن ظهور علي اللامي من تنظيم أحمد الجلبي «المؤتمر الوطني» وهو المسؤول الفعلي عن هيئة «المساءلة والعدالة» مع العناصر القيادية للتيار الصدري لم تكن غايتها إعلامية فقط وإنما توضيح للصفقة «المؤقتة» التي تمت في مدينة قم وباركتها «المرجعية» في النجف وتكلم عنها بصريح العبارة إمام جمعة مسجد الكوفة الشيخ أسعد الناصري، قائلاً إن «زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يتعرض لضغوط للقبول بترشيح المالكي الذي يحظى بتأييد مرجعيات شيعية متعددة، مثل السيد السيستاني والحائري والمرشد الايراني علي خامنئي». ولكن السؤال ما هو الثمن الذي ستدفعه الادارة الاميركية من وراء هذا الاتفاق؟ هل هو تدجين «التيار الصدري» نهائياً أم تثبيت مقولة القيادي في حزب الدعوة «علي الأديب» : «آراء واشنطن وطهران يجب أخذها في الاعتبار عند اختيار رئيس الحكومة»، ولكن «لن نتنازل عن صلاحياتنا ونتحول إلى شرطي مرور»!. من جاء مع الاحتلالين يردد دائماً بصلافة مقولة قديمة هي أن «الوطنية» الملاذ الأخير للطغاة في استمرار حكمهم للناس بالنار والحديد. ولكن ألا يحق للناس الاستفهام عن الملاذ الجديد لحكم يفضل «شرطي المرور» الطوائفي على «كشافة» العلمانية الملفقة!. * سياسي وكاتب عراقي.