هل في مقدورنا أن نجعل من شاعر عنواناً لوطن؟ هذا ما يُقدم عليه العمل الدرامي الجديد الذي أنتجته قناة «السومرية» الفضائية عن الشاعر محمد مهدي الجواهري (1900 - 1997)، وجعلت عنوانه «كبرياء العراق». محور هذا العمل هو شخصية الجواهري الإنسان والشاعر. أما حوادثه فهي مما صنعته هذه الشخصية، أو عاشته، في حياتها التي امتدت نحو قرن من الزمن، الى درجة اقترن تاريخها بتاريخ العراق الحديث. يتألف العمل من سبعة أجزاء، مدة كل واحد منها ساعة ونصف الساعة، وقد أقامه مؤلفه علي أكرم على مذكرات الجواهري، مضيفاً إليها شهادات أشخاص عرفوه أو عاصروا بعض مراحل حياته. فيما انتقل المخرج أنور الحمداني بشخصياته - وللجواهري الحضور الأكبر فيها - بين النجف، حيث ولد ونشأ نشأته الأولى، وبغداد التي بدأ حياته الفعلية فيها: شاعراً بين أقرانه، وصحافياً جعل من الصحافة حاملة قضية ورأي، وسياسياً يخوض المعترك وهو غير مجرد من عدّته: الكلمة والموقف... ثم يصل المسلسل الى بيروت وبعلبك اللتين استعاض بهما المخرج عن دمشق التي لم يحصل على إذن للتصوير فيها، على رغم أن الجواهري عاش شطرين من حياته هناك، الأول في الخمسينات يوم خرج من بغداد غاضباً من نظام الحكم فيها وهو يردد: «خلّفتُ غاشية الخنوع ورائي - وأتيت أقبس جمرة الشهداء»، والثانية يوم خرج مغضباً من نظام الحكم في مطلع الثمانينات حتى وفاته عام 1997، حيث قبره لا يزال هناك، بعدما عاش سنوات أخيرة من حياته في براغ. تلعب دور الجواهري في العمل ثلاث شخصيات تمثل ثلاث مراحل من حياته، مثّل الثالثة والمهمة منها الفنان عبدالستار البصري، وتبدأ تلك المرحلة بلقائه المتنبي (الذي أدى دوره الفنان اللبناني عمار شلق)، ويقوم الحوار بينهما على ما جاء في كتاب المذكرات الذي بُني على «قال... وقلت»، مبرزاً من خلال هذا الحوار معالم شخصيته، وموثقاً الأحداث التي رافقت حياته، مركزاً على أبرز مفاصل تلك الحياة بلحظاتها المهمة، بدءاً بلقائه الملك فيصل الأول، وانتهاء بالهزيع الأخير من حياته. يقول الفنان البصري إن ما زاده حرية في تمثيل شخصية الجواهري هو أنه لم يعرفه في حياته ولا التقاه، بل قرأه وتعرف إليه من خلال شعره ومذكراته وروايات بعض من عرفوه، «ما جعلني، ألمّ بهذه الشخصية الفذة في تاريخنا الشعري والوطني، وأحيط، ما أمكن، بكثير من عاداتها». ويضيف البصري، تعليقاً على الموقف، إن ما أقلقه في حياته الفنية شخصيتان: «الأولى في العمل الذي وضعه الكاتب فلاح شاكر تحت عنوان «اكتب باسم ربك»، فالشخصية فيه شخصية متخيلة، ومخيفة الإيقاع، لكنها أعطتني حيوية كبيرة في التمثيل والحركة، والشخصية الثانية هي الجواهري الذي وجدت نفسي أتقارب معه وأنا أجسد شخصيته كما أتخيلها من خلال النص المكتوب». أما «كم اقتربت منه الشخصية وكم ابتعدت، فذلك ما سأتركه للجمهور ليحكم». ويستدرك البصري وهو يحدثنا حديث المأخوذ بشخصية الجواهري، قائلاً: «غالبية من شاهدوا ما صُوّر، ممن عرفوا الجواهري، قالوا: لقد شاهدنا الجواهري الشاعر، وليس البصري الممثل. وهذا ما أسعدني كثيراً». وللنص المكتوب، كما يقول البصري، أبعاد أخرى، «إذ حاول كاتبه الربط، على أحسن وجه، بين الجواهري والحقبة التي عاشها، وصداقاته أو صراعاته مع شخصيات تلك الحقبة، مثل نوري السعيد وساطع الحصري ورشيد عالي الكيلاني وسواهم من الشخصيات التي عاصرها الجواهري، وصولاً الى عبدالكريم قاسم الذي كان آخر من اصطدم به اصطداماً مباشراً من حكام العراق. يصف البصري هذا العمل ب «الدراما الوثائقية»، مؤكداً «أن مثل هذا العمل ربما يُنتج للمرة الأولى». أما وثائقيته فجاءت «من خلال الشخصيات التي عرفت الجواهري الشاعر والإنسان فأدلت بشهاداتها عنه»، ما يجعله يرى فيه «عملاً تنفرد به الساحة الدرامية العراقية». أما بالنسبة له كفنان فيعده «طفرة كبيرة الى الأمام في حياته الفنية، وصفحة مشرقة في هذه الحياة». ويضيف: «إن الثقة الكبيرة التي أولاني إياها كادر العمل لتمثيل «كبرياء العراق» من خلال شخصية الجواهري الانسان والشاعر شرف كبير لي فنياً ووطنياً. لقد أديت دوري هذا بعشق وحب كبيرين لشخصية الجواهري بما تنطوي عليه من رموز. وشعرت بأنني أؤدي شخصية هي من عمق تاريخي العراقي».