ألحقت موجة الجفاف التي اجتاحت سورية خلال السنوات الأخيرة أضراراً فادحة في القطاع الزراعي والحيواني، وساهمت في تهجير آلاف الأسر الريفية خصوصاً في شمال شرقي البلاد، وحوّلت سورية من بلد مصدّر للقمح إلى مستورد له. وأكدت وزيرة البيئة السورية كوكب الداية أن بلادها تواجه ظاهرة مناخية لم تشهدها من قبل تترجم في انحباس الأمطار والجفاف والتصحر وحرائق الغابات والعواصف الرملية وجفاف بعض الأنهار وانخفاض مستوياتها وارتفاع معدلات درجات الحرارة في شكل غير مسبوق. وأكدت أن هذه الظواهر «تسبب ضغطاً على الموارد الزراعية وعلى الطاقة». وتوقعت دراسة اقتصادية حديثة أن تؤدي التغيّرات المناخية في المستقبل إلى زيادة احتياجات سورية من المياه وإلى تأثيرها السلبي على تدفق نهري دجلة والفرات وإلى تراجع الإنتاجية الزراعية بنسبة 16 في المئة. وأكدت الدراسة أن العجز المائي بلغ في السنوات الأخيرة أكثر من ثلاثة بلايين متر مكعب في السنة بسبب استنزاف المياه الجوفية. ولفت وزير الزراعة السوري عادل سفر في وقت سابق، إلى أن انحباس الأمطار في آذار (مارس) ونيسان (ابريل) الماضيين ساهم في إخراج أكثر من 262 ألف هكتار من الإنتاج، معظمها في محافظة الحسكة شمال شرقي البلاد. وأشارت دراسات أخرى عرضت في الاجتماع التشاوري الذي عقد في دمشق أخيراً تحت عنوان «تأثيرات تغيّر المناخ في المنطقة العربية وشح المياه والجفاف والهجرة السكانية»، إلى أن الجفاف ساهم في تدهور البادية الوسطى بنسبة 53 في المئة من مجموع مساحتها المقدرة بأكثر من 2.8 مليون هكتار، وإلى أن التربة المتأثرة بتراكم الرمال بلغت 8.7 في المئة من المساحة الإجمالية للمنطقة المدروسة. وقال مدير «المشروع الوطني للإنذار المبكر عن الجفاف» جلال الحمود إن الجفاف طال مختلف الأراضي السورية لكن تأثيره الأكبر كان على البادية والمحافظات الشرقية «دير الزور والرقة والحسكة». وبيّن ان من نتائجه «انخفاض معدل الأمطار في مناطق البادية والمناطق الهامشية بما يزيد عن 50 في المئة وبلغ في مناطق أخرى 80 في المئة من المعدل السنوي العام». وتؤكد إحصاءات رسمية أن الجفاف ساهم في تراجع إنتاج القمح من أربعة ملايين طن عام 2007 إلى 2.7 مليون هذه السنة. وانخفض عدد رؤوس الأغنام من 22.8 مليون عام 2007 إلى 12 مليوناً العام الماضي والماعز من 1.6 مليون رأس إلى 630 ألف رأس. وأشار تقرير أعده «المعهد الدولي للتنمية المستدامة» إلى أن الجفاف «أدى إلى هجرة سكان 160 قرية شمال شرقي سورية إلى المدن الداخلية، أي ما يزيد على 30 ألف أسرة تضم 300 ألف شخص. وتوقع التقرير أن تكون هذه المنطقة «أكثر جفافاً ما يؤثر جدياً في قطاع الزراعة وتدفق المياه». ما دفع الحكومة إلى الإسراع في تنفيذ مشروع جر مياه نهر دجلة إلى محافظة الحسكة بكلفة نحو بليون دولار، لمد السكان بالمياه واستصلاح 180 ألف هكتار من الأراضي الزراعية بهدف تثبيت السكان في مناطقهم.