يستعد المصريون بعد إجازة الأعياد ل «موسم انتخابي ساخن» استعد له الطامحون إلى الفوز بمقاعد في مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) بنشر لافتات التأييد والمبايعة متخذين من عيد الفطر مناسبة لخطب ود الناخبين. وفيما ينتظر الراغبون في الترشح على تذكرة الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم نتائج انتخابات داخلية ستُجرى بعد العيد لاختيار مرشحي الحزب في انتخابات البرلمان المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، لا تزال قوى المعارضة تبحث في قرار المشاركة في الاقتراع أم المقاطعة ترشيحاً وانتخاباً. وكانت «الجمعية الوطنية للتغيير» التي يقودها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي أولى القوى السياسية التي تقرر مقاطعة انتخابات البرلمان المقبلة. وعزت قرارها، في بيان أصدرته أول من أمس، ب «انعدام الضمانات الحقيقية لمنع التزوير». واعتبر البيان أن المشاركة في الانتخابات «تُضفي شرعية زائفة على تزوير إرادة الشعب». غير أن قرار الجمعية لن يكون بالضرورة قرار القوى السياسية المكوّنة لها، علماً أن قوى المعارضة لم يسبق لها أن اتفقت على مثل هذا الخيار سوى في العام 1990. آنذاك قاطع الانتخابات حزب «الوفد»، أكبر أحزاب المعارضة الرسمية، وجماعة «الإخوان المسلمين»، أهم فصائل المعارضة (المحظورة رسمياً). غير أن حزب «التجمع» الذي يمثّل قطاعاً لا يستهان به من اليسار، شارك في تلك الانتخابات، ما جعل قرار المقاطعة «تجربة مبتورة» رأى مراقبون أن من تبنوها خسروا أكثر مما ربحوا. ويتطلع الحزب الوطني الديموقراطي الآن إلى تأمين أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات المقبلة التي سيفوز فيها حتماً بغالبية كبيرة من مقاعد البرلمان. وستحدد تركيبة البرلمان الجديد القوى السياسية التي سيُتاح لها دستورياً خوض انتخابات الرئاسة المهمة التي تُجرى أواخر العام المقبل. ولن يُرضِي «الوطني» الفوز في انتخابات يتنافس فيها أفراد محسوبون عليه أو أعضاء فيه ضد المرشحين الرسميين للحزب. ولذلك دعا قادة الحزب، وعلى رأسهم زعيمه الرئيس حسني مبارك، إلى مشاركة واسعة في الانتخابات المقبلة، كما حض الأمين العام صفوت الشريف «الأحزاب الشرعية» على المشاركة في الانتخابات وقال إن الحزب الذي يقاطع الانتخابات يتحوّل إلى «جمعية خيرية». وقال المنسّق العام المساعد ل «الجمعية الوطنية للتغيير» الدكتور عبدالجليل مصطفى ل «الحياة» إن الجمعية تتمنى تحقيق أكبر قدر ممكن من المقاطعة و «أن نحقق إجماعاً وطنياً على هذا الخيار، خصوصاً بعد فشل كل محاولات الوصول إلى تنفيذ مطالبنا بإجراء انتخابات حرة ونزيهة». لكن رئيس المكتب السياسي في جماعة «الإخوان المسلمين» عضو مكتب إرشادها الناطق باسمها عصام العريان قال ل «الحياة» إن «الجماعة حين انضمت إلى أمانة الجمعية لم يكن هدفها البحث في ما إذا كانت القوى السياسية ستشارك في الانتخابات أم ستقاطع، ولكن الهدف كان العمل على التغيير من خلال توفير آليات لانتخابات نزيهة، وبالتالي فإن قرار مقاطعة الانتخابات معناه أن الجمعية أصابتها حال من اليأس وتبحث عن خطة بديلة، وهو أمر لم يطرح للنقاش حتى الآن». ويؤكد عبدالجليل مصطفى أن الاختلاف بين مكوّنات الجميعة حول هذه المسألة لن يؤثر في بنيانها «لأن الجمعية حددت الإطار العام ولن تستطيع أن تُلزم أحداً باتباعه (...) نحن قررنا المقاطعة وإذا كانت هناك قوى ترى غير هذا فهذه مسؤوليتها. وحتى الآن لم يأخذ أي فصيل من أعضاء الجمعية قراراً بالمشاركة خصوصاً أنه ليست هناك استجابة لمسألة ضمانات نزاهة الانتخابات». وأضاف: «أقل ما نسعى إليه الوصول إلى خيار مناسب للتعامل مع الاشكالية التي يطرحها إجراء انتخابات في الظروف الحالية». وأوضح أن «المقاطعة حتى تكون مجدية يجب أن تكون واسعة النطاق، فمعنى هذا أن النظام لا مشروعية له، وسيحرجه ذلك محلياً وخارجياً». وإن كان العريان يتفق مع مصطفى في أن المقاطعة كي تكون فعالة تحتاج إلى إجماع وطني، إلا أنه يرفض القول إنها ستُفقد النظام مشروعيته. وقال العريان: «الجمعية ليست إطاراً ملزماً لنا، فما صدر عن الجمعية نعتبره توصية أو رغبة من أناس يرون أن المصلحة في مقاطعة الانتخابات، أما قرار الإخوان ومختلف القوى السياسية المشاركة في الجمعية فسيتم بناء على دراسات لرؤيتها للواقع». وأضاف: «جماعة الإخوان لم تُصدر قرارها بعد وننتظر التوافق العام في أمانة الجمعية، فإذا حدث إجماع وطني على قرار المقاطعة فنحن مستعدون لذلك، أما إذا لم يحدث إجماع، فلو قاطع الإخوان نكون عزلنا أنفسنا، إذ ستتم العملية الانتخابية بمشاركة معقولة والتجربة السابقة للمعارضة في العام 1990 اثبتت أن القوى التي لم تشارك في العملية السياسة غابت عن المشهد السياسي». وأعرب العريان عن انزعاجه من القول إن المقاطعة تُفقد النظام مشروعيته. وقال: «القول بأن المقاطعة ستعطي رسالة بأن هذا النظام معزول شيء نرفضه لأن فيه دعوة إلى الخارج للتدخل، والإخوان يرفضون هذا الأمر سواء تلميحاً أو تصريحاً». وأضاف: «جدوى المقاطعة يجب أن تُدرس، فنظام الانتخابات الفردي جعل من الأحزاب قوى ضعيفة، فحتى لو اتفقت كل الأحزاب صاحبة الشعبية على المقاطعة، فسيكون المشهد العام أن هناك انتخابات والأحزاب والقوى السياسية غائبة والنظام حاضر بقوة في انتخابات ينافس فيها مستقلون ومنشقون ومرشحو أحزاب معارضة لا شعبية لها». وترى جماعة «الإخوان» في الانتخابات مناسبة مهمة للتواصل مع الشارع. فعلى رغم اتهامها السلطات الأمنية بالتضييق على مرشحيها وكذلك تزوير نتائج الانتخابات فإنها تشارك دائماً في الاقتراع. وفازت الجماعة بأكثر من 80 مقعداً في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وهو الأمر الذي عزاه الحزب الوطني إلى «خطأ تنظيمي» وعدت قياداته بألا يتكرر.