قبل بداية شهر رمضان تناولت تقارير صحافية مسلسل «وراء الشمس». بعض الكتّاب اعتبره نقلة نوعية في الدراما العربية، وآخرون اعتبروه مغامرة غير محسوبة النتائج، وفئة ثالثة أثنت على التجربة وأيدتها. لكن التركيز الأكبر، كان على النجم السوري بسام كوسا وما سيقدمه عبر شخصية المصاب بالتوحد. كثر توقعوا نجاح كوسا في أداء الدور، مستندين الى تجارب سابقة له، أظهر فيها حرفية عالية وتمكناً كبيراً، ولاقت نجاحاً كبيراً بصرف النظر عن الشخصية او البيئة التي تنتمي إليها. ذلك ان كوسا يعّد أحد أكثر الممثلين العرب تمسكاً بالتفاصيل وإصراراً على تقديم شخصياته بتكامل قلّما نشاهده عند ممثلين آخرين. وكان لمخزونه الفني والفكري والثقافي وحسه العالي أثر كبير في جميع الشخصيات التي أداها خلال مشواره الفني الطويل. من توقع نجاح كوسا في أداء شخصية «بدر» ومن لم يتوقع نجاحه، فوجئ مع انطلاق أولى حلقات المسلسل، بالأداء المميز للنجم السوري الذي تجاوز مرحلة النجاح المتوقعة. فانشغال كوسا بتفاصيل شخصيته بدا واضحاً وجلياً في كل مشاهده. وعلى رغم أن عدد الكلمات التي نطق بها لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة مثل «بعرف... بعرف، بدرية، بركاته»، إلا أن حركات الشخصية (اليدين والقدمين) وتصرفاتها والمونولوغ الداخلي، كل هذه العناصر كانت كافية لإيصال المطلوب للمشاهد. مع «بدر» خرج كوسا من الأساليب النمطية والكلاسيكية في تقديم هذا النوع من الشخصيات، وتفوق في تقمّص الدور الذي يعيدنا بالذاكرة إلى نجوم هوليوود ممن قدموا شخصية صاحب الحاجات الخاصة. وربما الذاكرة القريبة تعود للممثل الهندي خان الذي قدم شخصية المصاب بالتوحد في فيلم «اسمي خان». مع الاعتراف بالأداء المميز للنجم الهندي أو لمن سبقوه من نجوم مثل جاك نيكلسون وغيره، لا بد من الإشارة الى ان ادوارهم أتت في أفلام سينمائية لا تتجاوز مدتها 120 دقيقة. أما ما قدّمه كوسا طوال حلقات العمل واستمراره في إقناع المشاهد وجذبه على مدى ثلاثين حلقة تصل مدة الواحدة منها إلى 45 دقيقة، يعتبر استثنائياً. إذ استطاع إثارة العواطف وأثار في قلوب المشاهدين الإعجاب والدهشة وغيّر عدداً من المفاهيم المجتمعية في تقبل ذوي الحاجات الخاصة، من دون أقنعة أو مواربات أو سذاجة. واللافت في الاستفتاء الذي أجرته «الحياة» في الشارع السوري (ضم ما يزيد عن ألف شخص من طلاب الجامعة) حول تقويم أداء النجم بسام كوسا في مسلسل «وراء الشمس»، لم يكن في النسبة المرتفعة التي حصدها (97 في المئة اعتبروا ان أداءه ممتازا) إنما في اعتبار الشارع أن ما قدمه كوسا غيّر نظرة المجتمع لذوي الحاجات الخاصة، إذ أكد عدد من المستفتين أنهم قبل رؤية كوسا بشخصية «بدر» كانوا ينظرون إلى المصاب بالتوحد بعين الاشمئزاز أو الشفقة، ولكن مع أداء كوسا تحولت النظرة إلى احترام وحب. على صعيد آخر، أنشأت مجموعة من الشبان المتحمسين لأداء كوسا في هذا المسلسل (وصل عددهم لما يزيد عن 6 آلاف) مجموعة خاصة على موقع «فيس بوك» تطالب بإنشاء جائزة أوسكار خاصة تعطى للنجم السوري على أدائه المميز. وليس جديداً على كوسا تقديم شخصيات مثيرة للجدال، إذ لا تزال شخصيات عدة له في ذاكرة المشاهد العربي، منها «الإدعشري» في «باب الحارة 1»، و«المخرز» في «ليالي الصالحية»، و«نصار ابن عربي» في «الخوالي»، و«نجيب» في «الفصول الأربعة»، وشخصية التاجر «النسونجي» في «خان الحرير»، وسواها من الشخصيات المبدعة. لكنّ كل هذه الشخصيات شيء، وأداء كوسا مع شخصية «بدر» في «وراء الشمس» شيء آخر. ولعل هذا الدور سيفتح باباً جديداً للممثل العربي ليثبت مجدداً أن الأداء المميز للممثل لا يحتاج إلى قدرات إنتاجية ضخمة. أمام هذا الواقع، اعتبر كثر ان ما قدمه كوسا في شخصية «بدر» يصلح لأن يدرس في أكاديميات الفنون، نظراً للقيمة الفنية والحرفية التي تمتع بها، فيما ذهب آخرون لاعتبار كوسا «كاميكازي» الدراما السورية لما يقدمه من أدوار يخشى كثر من نجوم العرب الدنو منها.