تشهد أروقة القرار السياسي والأمني في الأردن منذ أيام صراعا خفيا في خصوص الموقف من إقرار قانون انتخاب جديد، يفضي إلى إلغاء الصوت الواحد المثير للجدل، والذي دفع جماعة الإخوان المسلمين (المعارضة الرئيسية في البلاد) الى مقاطعة الانتخابات البرلمانية بسببه عامي 2010 و2013. وبينما أكدت مصادر رسمية ل"الحياة" أن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ألقى بثقله اخيراً وراء إصدار مشروع قانون يضمن إلغاء الصوت الواحد، أوضحت مصادر سياسية أن هناك جهات ما داخل القصر لا زالت تتمسك في خيار الإبقاء على الصوت الواحد، في حين أشارت المصادر ذاتها إلى أن جهاز المخابرات العامة (واسع النفوذ)، لم يبدي حتى الآن موقفا معارضا نحو الذهاب باتجاه قانون جديد ينهي جدلية سابقه. وكشف مسؤول حكومي رفيع ل"الحياة" أمس، توجه المملكة إلى إصدار قانون يفضي إلى إنهاء معضلة الصوت الواحد، لافتا إلى أن "مشروع القانون أنجز بالفعل، وهو الآن في أدراج الحكومة، وسيتم إرساله قريبا إلى البرلمان، وأن مسودة المشروع تحظى بتأييد ودعم مباشر من الملك عبد الله". وكان العاهل الأردني قد دعا البرلمان العام الماضي الى إجراء تعديلات سريعة على قانون الانتخاب، تساهم في تعزيز الحياة الحزبية، والتعددية تحت القبة. وأوضح المسوؤل الذي طلب عدم ذكر اسمه أن "مؤسسة القصر كثفت من مشاوراتها خلال الفترة الماضية مع الجهات والشخصيات ذات العلاقة، للوصول إلى قانون يلبي تطلعات القوى الحزبية والمجتمعية". وأقر المسؤول نفسه بوجود كيانات محافظة داخل مطبخ القرار، "تسعى إلى إجهاض أي قانون لا يضمن الإبقاء على الصوت الواحد". لكنه أردف "أن المشروع سيرى النور قريبا، على اعتبار أنه يحظى بمباركة الملك". وحصلت "الحياة" على بعض ملامح مشروع القانون، وكان أهمها إلغاء الصوت الواحد والقائمة الوطنية، وإنشاء قائمة نسبية مفتوحة على مستوى كل محافظة، وإلغاء الدوائر الصغيرة، وهي الملامح ذاتها التي اعتمدتها لجنة حوار وطني تشكلت بأمر ملكي على وقع انتفاضات الربيع العربي عام 2011، لكن توصياتها لم تعتمد بعد. من جهته، اعتذر وزير التنمية السياسية خالد الكلالدة خلال حديث إلى "الحياة" عن إعطاء أي تفاصيل حول مشروع القانون، مكتفيا بالقول إنه "سيضمن إلغاء الصوت الواحد إلى الأبد". وحول ما إذا كان القانون سيلبي تطلعات المعارضة، لا سيما جماعة "الإخوان"، أجاب في شكل مقتضب " يجب أن يلبي رغبات الجميع، والمؤكد أنه لن يظلم الإخوان، والمتوقع أن يصل قريبا إلى قبة البرلمان". لكن الرجل الثاني في جماعة الإخوان، زكي بني ارشيد، قال ل"الحياة" إن "الجماعة تنظر بحذر شديد إلى كل محطة يتم خلالها الحديث عن تعديل قانون الانتخاب". وأضاف "في كل مرة يتم الرجوع إلى البقرة المقدسة المتمثلة بقانون الصوت الواحد، والذي يدعوا إلى عدم التفاؤل أيضاً أن قوى الشد العكسي التي تعيق التغيير، هي صاحبة الوزن الثقيل في القرار الرسمي". وأردف "مع كل ذلك، فقد أكدنا مرارا ضرورة الجلوس على طاولة الحوار، ونحن مستعدون إلى الجلوس مجددا لبحث أي مقترحات، إذا ما توفرت النية الصادقة لإنتاج قانون انتخابات وطني يتوافق عليه الجميع". وفي المقابل، قال الناطق باسم الحكومة الأردنية، الوزير سميح المعايطة إن "الحديث عن قانون جديد للانتخاب هو أمر متفق عليه داخل أوساط القرار، لكن تفاصيل القانون لا زالت تحتاج إلى مزيد البحث والتدقيق". وأضاف أن "البرلمان الحالي دخل في عامه الثاني، وما زال أمامه وقت كاف لإنجاز عديد التشريعات، ولا يوجد أي ظرف داخلي أو إقليمي يستدعي التسريع في إنجاز القانون". وكانت الحكومة الأردنية قد تراجعت قبل أشهر عن تقديم مشروع القانون إلى البرلمان لمناقشته، بعد مخاوف أعلنتها نخب أردنية محافظة من أن يكون التعديل مقدمة لتوطين الأردنيين من أصل فلسطيني عبر منحهم مقاعد نيابية أكبر، وبعد مخاوف أخرى من أن يؤدي القانون الجديد إلى حل مجلس النواب قبل انتهاء مدته الدستورية المحددة وفق الدستور ب 4 سنوات. لكن ملامح المشروع الجديد، راعت في شكل واضح هواجس الديمغرافيا في محاولة لتبديد المخاوف لدى الشرق أردنيين. ويفتح الحديث عن تعديل قانون الانتخاب في كل مرة جدلاً في شأن حصة الأردنيين من أصول فلسطينية، وما يتبعه من اتهامات بالتوطين السياسي لهم، وهم يشكلون نحو نصف المجتمع.