في منطقة عين الباشا الواقعة قرب مخيم البقعة، أكبر مخيمات للاجئين الفلسطينيين في الأردن، وقف وزير التنمية السياسية الأردني خالد الكلالدة أول من أمس يحاضر في عدد من الأردنيين، غالبيتهم من ذوي الأصول الفلسطينية، عن توجه الحكومة إلى تعديل قانون الانتخاب المثير للجدل. الكلالدة كان يلبي دعوة أعضاء في البرلمان محسوبين على المكوّن الفلسطيني، ومتحدرين من المخيم البائس الذي يسكنه لاجئون يحملون الجنسية الأردنية ويتمتعون بحقوق المواطنة. وأكد الوزير أنه يجري حالياً دراسة نماذج انتخابية عربية ودولية «في إطار حرص الحكومة على وضع مسودة مشروع لقانون الانتخابات النيابية يحظى بتوافق غالبية مُكوّنات المُجتمع الأردني، قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع». وعلى رغم تأكيد الوزير أن تعديل القانون ليس مرتبطاً ب «اشاعات» تجنيس اللاجئين وتوطينهم، وتشديده على أن الأردن لن يكون وطناً بديلاً لأحد، إلا أن تياراً يمينياً أردنياً سارع إلى مهاجمة التعديلات قبل إعلانها بزعم حماية المملكة من خطر الوطن البديل، معتبراً أن التعديلات المحتملة من شأنها منح الفلسطينيين على الأرض الأردنية فرصة السيطرة على غالبية مقاعد البرلمان في أي انتخابات، على حساب السكان الأصليين (العشائر). وجاءت مزاعم التيار اليميني الذي تمثله نخبة سياسية شرق أردنية، لتعززها مخاوف تيار محافظ داخل الدولة طالما أكد تمسكه بقانون الصوت الواحد خشية وصول غالبية إسلامية إلى القبة، في إشارة إلى جماعة «الإخوان المسلمين» التي يعتبر المكون الفلسطيني أحد أهم خزاناتها الأمامية. وتقول الكيانات السياسية في الأردن، خصوصاً الإسلامية، إن قوانين الانتخابات التي أقرتها الدولة، صُممت للحد من نفوذ هذه الكيانات بتقسيم الدوائر لصالح جماعات مؤيدة للحكومة. وتضيف ان المدن كثيفة السكان (وهي معاقلهم)، غير ممثلة بشكل كاف. وأثار قرار اتخذته وزارة الداخلية الأردنية أول من أمس أيضاً يمنع ترخيص حزب سياسي لمتقاعدين عسكريين تتملكهم هواجس التوطين، حفيظة التيار اليميني الذي انشغل خلال اليومين الماضيين في إصدار تصريحات تهاجم الحكم في البلاد، وتتهمه بالتماهي مع إطار وزير الخارجية الأميركي جون كيري والخاص بتسوية القضية الفلسطينية على حساب الأردن. وقاد هذه التصريحات السياسي الأردني المثير للجدل ناهض حتر، أحد أبرز المنظرين للتيار المذكور، والذي اعتبر أن عدم منح العسكريين تراخيص حزبهم الجديد عائد إلى رفض الحزب سياسة توطين الفلسطينيين وتجنيسهم، علماً أن وزارة الداخلية أكدت أن الرفض سببه عدم استكمال الحزب الشروط المطلوبة. وكان الحزب الذي اقتصرت عضويته على الشرق أردنيين، سارع إلى تبني خطاب تصعيدي تجاه العائلة الملكية الحاكمة، وانتقد ما سمّاه عمليات تجنيس الفلسطينيين المستمرة. وأضاف حتر في تصريحات تعكس تشكك قطاعات أردنية من توجهات الدولة، أن «الأردنيين، باستثناء أولئك الذين باعوا ضمائرهم، لا يثقون بالحكم ولا الحكومة حين يتعلق الأمر بمسألة الوطن البديل، ذلك أن الأقوال المكررة لا قيمة لها حين تناقضها الأفعال المستمرة على الأرض، خطوة بخطوة». وهاجم محاضرة الكلالدة في المخيم، قائلاً: «خلال اللقاء ... جرى التأكيد على رفض الوطن البديل والتمسك بحق العودة، بينما كان الحديث يتركز على قانون الانتخابات، وتحديداً تطويره بحيث يوسع دائرة التوطين السياسي». وشكّل التسارع في ملف المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، واقتراب إعلان ما بات يعرف ب «صفقة كيري»، قلقاً لدى أوساط رسمية وشعبية أردنية من ملفات الوضع النهائي وتأثيرها على الأردن. وتصاعدت المخاوف من التوطين السياسي، وإلغاء حق عودة اللاجئين، وارتفع منسوب القلق لدى النخبة السياسية المحافظة بشكل أكبر بعد إعلان الحكومة توجهها إلى منح أبناء الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين وأجانب حقوقاً مدنية. ولم تنفع بيانات الحكومة التطمينية في تبريد مخاوف هذه النخبة من إمكان توطين الفلسطينيين. وقبل فك الارتباط بين الأردنوالضفة الغربية عام 1988، أظهرت الأرقام الرسمية أن نسبة الأردنيين من أصل فلسطيني خارج الضفة الغربية لا تتعدى 48 في المئة. وبعد تطبيق القرار، ظلت هذه النسبة تنخفض حتى وصلت في آخر إحصاء الى 43 في المئة. وتعكس هذه الإحصاءات ما يسمّيه الوحدويون في الأردن «وهماً» لخطر ديموغرافي، فعند وحدة الضفتين عام 1950، كان عدد سكان الضفة الشرقية من دون الفلسطينيين 440 ألف نسمة. وبعد عامين، كان عدد الفلسطينيين في المملكة نحو 890 ألف نسمة، أي ما يعادل ضعف سكان الضفة الشرقية الأصليين.