أكد مثقفون ومثقفات أهمية إنشاء مركز ثقافي يحمل اسم الراحل الدكتور غازي القصيبي، ويكون معلماً ثقافياً بارزاً وفاعلاً في مختلف المناحي. وأشاد هؤلاء في أمسية نقدية نظمها «مقهى جسور الثقافي» في جدة أخيراً حول أدب الراحل، بثراء وعمق وفرادة ما قدمه صاحب ديوان «الحمى». وفي بداية الأمسية قرأ الكاتب أحمد صبري مقتطفات من أعمال القصيبي السردية والشعرية، وعلّق عليها بقوله: «إن القصيبي استطاع أن يعبّر عما يكنه للقضايا العربية والفلسطينية على وجه التحديد، وخسر موقعه كسفير لدى بريطانيا بعد قصيدته الشهيرة في الشهيدة الراحلة آيات الأخرس والتي سجلت مواقفه كواحد من العرب الأحرار، الذين أسهموا في إيجاد وطن حقيقي للفلسطينيين». واعتبر الناقد علي المالكي في ورقة قدمها أن القصيبي «واكب بأدبه أحداث عصره إلا انه أفلت بأسلوبه الأدبي الخاص، الذي ميز قلمه عن الوقوع في فخ أدب المناسبات الذي يحول الأدب إلى أرشيف للأحداث بأسلوب جاف يصطنع العاطفة، بصور لا تنبض فيها روح الأدب، فما كتبه عن أحداث الخليج وتحرير الكويت وفلسطين، كانت أحداثاً بطلها الموت واحتلت مساحة كبيرة في شعره بوجه خاص، فكان الرثاء غرضاً شعرياً حاضراً في نصوصه وكان رثاء يختلط بإحساس حاد بالزمن، الذي يعبر كعربة مسرعة تتوقف من حين إلى حين لتحمل قريباً أو صديقاً إلى القبر. وفي كل مرة تومئ إليه بأنه قد يكون هو الراكب المقبل». وأضاف المالكي: «إن الجانب السردي شغل حيزاً كبيراً من كتاباته، فإضافة إلى «شقة الحرية» كتب القصيبي روايات عدة اعتمدت بشكل عام على تقنية القناع وملامسة جراح الأمة العربية، ووضع يده على الداء من دون أن يعطي وصفة مباشرة للدواء»، مبيناً أن أدب القصيبي «سيشغل المهتمين أكثر بعد وفاته، وليس أدل على ذلك من تلك الصفحات التي سطرت عن القصيبي وأدبه في كثير من الصحف العربية والعالمية». وقال الشاعر والصحافي الزميل عبدالهادي صالح في ورقته: «لقد قاوم القصيبي الكثير من العقبات والعوائق واستطاع اجتيازها بذكائه المعهود، لكنه وقف حائراً أمام اتهامات البعض له بالتغريب والتحفّظ على ما يطرحه ويقترحه، وبخاصة في قضايا المرأة التي حاول أن يجد لها موقعاً مناسباً في سوق العمل في آخر وزارة كان يديرها قبل وفاته. وهذا ما دعا القصيبي إلى أن يكتب في كتابه أقوالي غير المأثورة: الأم مدرسة إذا أعددتها هاجمك المتطرفون». وأكد صالح أن القارئ في دواوين الراحل المتعددة «يكتشف شاعراً شفيفاً انفصل فيها عن القصيبي السياسي والإداري، وأن اللغة الشعرية التي يحرص القصيبي على صناعتها رشيقة ومطواعة بين يديه، ومبتعداً عن المفردات الميتة التي تخلق الغربة والجفاء مع القارئ، كما لم يغفل القصيبي أهمية حضور التراث الأدبي في كتاباته وإحيائه بطريقته الخاصة في قصائده». وتحدثت الدكتورة أميرة كشغري عن خوض الراحل منافسات عدة في قضايا المرأة السعودية، «وإتاحة الفرصة لها بالشراكة الدائمة في النهوض بهذا الوطن ومقدراته»، معتبرة رحيل القصيبي «خسارة كبيرة لأنه ترك فراغاً كبيراً وحري بالجميع الاحتفاء به، وإنشاء مركز ثقافي كبير يخلد ذكراه ويعرف الأجيال الجديدة على هذا المبدع السعودي الكبير». وأكدت كشغري أن الراحل «استثمر حياته في الكتابة والفكر، ولا أدل على ذلك من كتبه التي بين يديكم وقصائده المتعددة والتي عبّرت عن إحساسه المرهف وطريقته في التعبير عما يعتمل في داخله». يذكر أن الأمسية حضرها عدد كبير من الرجال والنساء، وأدارها عمر الشبعان.