«الجماعة» اسم للمسلسل الذي يُعرض في هذه الأيام على عدد من القنوات الفضائية، الذي يستعرض فيه كاتبه ومؤلفه الكاتب المصري وحيد حامد حياة وتاريخ مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشيخ حسن البنا، لقد تميز هذا العمل منذ بدايته بالحبكة الدرامية والإيقاع السريع والإخراج الحرفي المميز ولكن حيادية الكاتب والمؤلف وحيد حامد التي ادعاها تجاه السرد التاريخي لجماعة الإخوان المسلمين تحتاج إلى فحص ومراجعة، إذ حاول أن يستغل وأن يوظف المسلسل لتحقيق الكثير من الأهداف والأغراض، كمحاولته في بعض المشاهد قلب وتشويه وتزوير بعض الحقائق وتقديمها بصورة مغايرة للحقيقة أو الواقع، وذلك من خلال الإشارة في الحلقة الرابعة، على سبيل المثال، إلى خطورة التيار السلفي على الشعب والمجتمع المصري، واعتباره أكثر خطورة من الإخوان المسلمين، وكذلك إظهار أن الدولة السعودية وقفت ووفرت الدعم المادي لجماعة الإخوان المسلمين منذ لحظة تأسيسها على يد مرشدها حسن البنا من أجل استغلالها لمصلحتها، وكل ما ذكر يستدعي التوضيح والتبيين لطبيعة العلاقة الحقيقية بين السعودية وجماعة الإخوان المسلمين طيلة العقود الماضية بصورة موضوعية ومنهجية، إذ تعود بداية تلك العلاقة، وذلك حينما أنشأ المغفور له الملك عبدالعزيز، رحمه الله، المعهد العلمي السعودي بمكة عام 1926ميلادية، الذي كان يُعد أول مؤسسة تعليمية حكومية في المملكة لما بعد المرحلة الابتدائية، ونواة للتعليم المنظم في المملكة، وبحكم النشأة التعليمية فقد تم انتداب الكثير من الكوادر التعليمية من عدد من الدول العربية للقيام بالإدارة والتدريس في المعهد العلمي السعودي، من أبرزهم محمد كامل القصاب، وابراهيم الشورى، ومحمد عظيمة، ومحمد أبوشهبة، ومحمود الحمصي، ويوسف ياسين، ورشدي ملحس وغيرهم، وعندما قام الشيخ حافظ وهبة، أحد أهم رجالات ومستشاري الملك عبدالعزيز، بزيارته للقاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1928 ميلادية لانتداب بعض المدرسين من وزارة المعارف المصرية، كما يذكر البنا في مذكراته «الدعوة والداعية»، استعان بالأستاذ محب الدين الخطيب لترشيح بعض المدرسين، فرشح الخطيب حسن البنا المدرس بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية، وجرت بعد ذلك الكثير من المخاطبات الرسمية مع الخارجية والمعارف المصرية للموافقة على انتداب حسن البنا للتدريس في المعهد السعودي، التي انتهت برفضهما لانتدابه، وذلك لعدم وجود علاقات رسمية حينها بين البلدين. وهنا اختلق الكاتب وحيد حامد كلاماً ليس له أصل أو حقيقة على لسان حافظ وهبة، في اللقاء الذي جمعه بعد ذلك بمحب الدين الخطيب ومحمد رشيد رضا، وأشار فيه إلى أن بقاء حسن البنا في مصر سيكون أكثر فائدة للسعودية من انتقاله إليها، وأنه يفكر بأمر مهم ليس لشخص البنا بل لجماعته التي تعد فكرة عظيمة، وذلك لإيهام المشاهد بأن السعودية كانت تعكف على ترتيب يتم من خلاله استغلال جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها، مع أن جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت لم يمضِ على تأسيسها سوى أشهر عدة، وأنها لم تتجاوز حتى عدد مؤسسيها. وعلى رغم ذلك كله فإن فكرة الهجرة والانتقال من جهة حسن البنا إلى بلد أقرب إلى تطبيق أحكام الإسلام لم تفارقه، كما أوضح ذلك عبدالحليم محمود في كتابه «الإخوان المسلمون... أحداث صنعت التاريخ» (1/99). وفي سنة 1935 ميلادية توجه حسن البنا ومعه 100 من الإخوان إلى الأراضي السعودية لأداء فريضة الحج للمرة الأولى، وقد كان الملك عبدالعزيز، وكما هو معتاد، يدعو في موسم كل حج كبار العلماء والمفكرين والمثقفين الوافدين لأداء فريضة الحج إلى مؤتمر في مكةالمكرمة تكريماً لهم ولتدارس أحوال المسلمين في كل مكان، وكما يقول عبدالحليم محمود في كتابه (1/103) «لم توجه إلينا الدعوة باعتبارنا من عامة الحجاج»، وهو ما يشير إلى أن جماعة الإخوان حتى وبعد مضي سبع سنوات من تأسيسها لم تكن تحظى بمكانة أو دعم خاص لها لدى الدولة السعودية سوى ما يكون من دعم وتأييد عام للدعوات الإسلامية والإصلاحية في العالم الإسلامي كافة، ومع ذلك حضر حسن البنا وجماعته المؤتمر، وبعد أن ألقى ممثلو الدول ورؤساء الوفود كلماتهم سُمِح بعد ذلك لمن شاء من الحاضرين أن يتقدم بكلمة أو ملاحظة، فاستأذن البنا بإلقاء كلمة اشتملت على مجموعة من الآيات القرآنية، حظيت بقبول واستحسان من معظم رؤساء وأعضاء الوفود الإسلامية، تم نشر معظمها في صحيفة «أم القرى»، وكذلك توجهت بعثة جماعة الإخوان للحج مرة أخرى في عامي 1945 و1946 ميلادية، وحظيت البعثة بترحيب وتكريم من الملك عبدالعزيز لها، والتقت فيها كذلك بالكثير من الوفود الإسلامية، وكانت بعثة الحج لعام 1948ميلادية هي آخر حجة لحسن البنا التي تعرض فيها لبعض المضايقات والتهديدات نتيجة تطور الأوضاع في مصر، كما يذكر جمعه أمين عبدالعزيز في كتابه «أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين»، ما استدعى الدولة السعودية، وبحكم ضيافتها له، أن تعين له حارساً شخصياً مسلحاً لمنع الاعتداء عليه، ولم تمضِ بعد ذلك سوى أيام معدودة من عودة البنا إلى مصر حتى صدر قرار الحكومة المصرية بحل جماعة الإخوان ومصادرة أملاكها واعتقال الكثيرد من المنتمين إليها. لكن لعل المشهد الأهم والأبرز في توضيح العلاقة في تلك المرحلة هو من خلال العرض الذي قدمه حسن البنا للملك عبدالعزيز، بطلب تأسيس فرع للإخوان المسلمين في السعودية، الذي قوبل بإجابة ديبلوماسية تدل على حنكة وخبرة الملك عبدالعزيز في التعامل مع الحركات والجماعات الدينية، وذلك حينما قال له: «إننا كلنا مسلمون وكلنا إخوان»، وهو ما أثبتت الأيام صحته على المدى البعيد... وللحديث صلة. * كاتب سعودي. [email protected]