فتحت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض قصر الحكم في الرياض وسمحت للزائرين من المواطنين والمقيمين بدخوله والتجول فيه بأريحية تامة، والتعرف على أقسام القصر والاطلاع عليه، وذلك بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني ال86. وما إن يدخل المواطن إلى قصر الحكم حتى يشاهد ما جسده التاريخ على جدرانه، منذ قيام الدولة السعودية الأولى إلى هذا اليوم، إذ يقود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود البلاد، ويرى ما يسطّر على جنبات قصر الحكم من أحداث وقضايا وشخصيات مرت عليه، وما زال شامخاً يعلو بأُسس وقواعد رصينة. يحكي قصر الحكم في الرياض نفحات وعبق رجال قاتلوا من أجله، حصن منيع لوسط شبه الجزيرة العربية، شُيّد في عهد حاكم الرياض آنذاك دهام بن دواس في العام 1160ه، وأصبح هذا القصر مقراً للإمارة والحكم، لتأتي معالم الدولة السعودية الأولى بأحداثها، إلا أن تراكم التقلبات عليه أجبرته على التهالك، إلى أن جاء مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبد الله، وقام بإعادة بناء قصر الحكم وجعل منه أجنحةً وأبراجاً وأدخل عليه بعض الإصلاحات والإنشاءات العمرانية. انتهى عهد الإمام تركي بن عبدالله، وخلفه الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، وقام بزيادة مساحة قصر الحكم وتحصينه واتخذ منه سكناً له ولعائلته، كما أعاد بناء المسجد الجامع، وزاد في سعته وأدخل في ساحاته زخارف إسلامية لم تكن معروفة في نجد آنذاك، كما وضع ممراً علوياً بين المسجد وقصر الحكم. لم يكن قصر الحكم قصراً عادياً كالقلعة المسورة، بل كان للقصر طرق تؤدي إلى خارج الرياض من طريق بواباتها الرئيسة، فمن الشرق يمتد الطريق من بوابة الثميري إلى القصر مباشرة، كما تؤدي بوابة دخنة إلى القصر من الناحية الجنوبية، وتؤدي البوابة الشمالية المسماة بوابة آل سويلم إلى القصر مباشرة، ومن الغرب تؤدي البوابة المسماة بوابة المريقب إلى القصر من الناحية الغربية. وفي عام 1327ه قام مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بعد أن أرسى القواعد الرئاسية بإعادة بناء قصر الحكم وترميم بعض أجزائه وبناء أسواره ومجالسه وملحقاته على أنقاض قصر الإمامين تركي وفيصل، وفرغ الملك عبدالعزيز من بناء هذا القصر في عام 1330ه، كذلك بنى الملك عبدالعزيز ثلاثة جسور مسقوفة تربط القصر ببعض المرافق والمنشآت القريبة، أحدها يصل إلى جامع الإمام تركي بن عبدالله، والجسر الثاني يمتد من منتصف القصر من الناحية الشمالية، أما الجسر الثالث فهو يمتد من القصر إلى بيوت العوائل وإلى قصر والده الإمام عبدالرحمن شرق قصر الحكم. وبقى الملك عبدالعزيز يقيم في القصر ويدير شؤون الحكم من خلاله 30 عاماً، وأصبح قصر الحكم مكاناً للعمل ولمزاولة مهمات الحكم، ثم انتقل في 1357ه بجميع عائلته وجزء من دوائره إلى قصور المربع، واستمر القصر في ممارسة وظائفه الإدارية حتى آخر حياة الملك عبدالعزيز، وكان الملك عبدالعزيز والملك سعود من بعده يزوران القصر يومياً ويقضيان وقتاً طويلاً فيه لمزاولة أعمال الدولة. وكان قصر الحكم في الماضي يستخدم مقراً لإدارة الحكم وسكناً للحاكم وأسرته وخدمه، وإليه ترد المكاتبات والرسائل وفيه يستقبل القادمين والوفود من خارج البلاد، وعنه تصدر الأوامر والقرارات ذات الشأن في تسيير الدولة، وفيه دار للضيافة، وجعل فيه مطبخاً لفقراء البلدة وطلبة العلم وللوفود من خارج البلاد. وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز شهد قصر الحكم إعادة بنائه ضمن أعمال برنامج تطوير منطقة قصر الحكم الذي تقوم عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بهدف إنعاش وسط مدينة الرياض وإعادة الحيوية والنشاط إليه وتأهيله لأداء دوره الأساس باعتباره مركزاً سياسياً وإدارياً وتجارياً رئيساً للمدينة. واستلهم تصميم قصر الحكم بالنموذج الحديث من الملامح التقليدية لعمارة المنطقة، إذ يبدو ظاهرياً من الخارج كأنه مؤلف على هيئة قلعة ذات أسوار وأربعة أبراج في أركانها ترمز ضخامتها إلى القوة والمنعة. مثّلت منطقة قصر الحكم، العنصر الأبرز في معالم مدينة الرياض القديمة، بساحاتها الشهيرة، وبواباتها الأثرية، وأسواقها الرائجة، وأحيائها المتلاصقة، ومعالمها التاريخية، وفي مقدمها قصر الحكم، وحصن المصمك. ونتيجة للطفرة العمرانية التي شهدتها مدينة الرياض وظهور أحيائها الجديدة وانتقال الثقل السكاني إلى أجزاء أخرى من المدينة، عانت منطقة قصر الحكم أواخر القرن الهجري الماضي، من الأعراض التي تعانيها المناطق التاريخية في معظم المدن الحديثة، ومنها هجرة السكان وضعف البرامج الاجتماعية وتراجع اهتمام السكان بالمنطقة. وبتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حينما كان أميراً لمنطقة الرياض ورئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وضعت الهيئة برنامجاً لتطوير منطقة قصر الحكم، بهدف إعادة المنطقة إلى ما يجب أن تكون عليه كقلب نابض لمدينة الرياض، وإعادة القيمة الذاتية والمعنوية للمنطقة على مستوى المدينة، وعلى مستوى المملكة وعلى المستوى العالمي، كمنطقة استقطاب سياحي وثقافي، برزت معالمه أخيراً.