كشف محافظ البنك المركزي اليمني منصر القعيطي عن أن انتقال البنك إلى مقرّه الجديد في العاصمة الموقتة عدن سيكون بخزائن خاوية حتى من الموجودات العينية والأرصدة الخارجية التي استنفدت بالكامل، ليواجه صعوبة الإيفاء بأي التزامات مالية بما فيها رواتب شهري آب (أغسطس) وسبتمبر (أيلول) الجاري، إلا أنه أكّد حرصهم على اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة بإعادة بناء المؤسسة، والسعي للوفاء بتلك الالتزامات، مضيفاً: «نحن نتوخى أن نحظى بدعم كامل من الحكومتين اليمنية والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي لدعم موازنة البنك المركزي ووزارة المال في هذه الظروف الصعبة». كما كشف المحافظ عن تمكن الحكومة من إيقاف اتفاق سرّي عقدته الإدارة السابقة مع شركة روسية لطباعة 400 بليون ريال يمني، إثر استجابة الأخيرة لمفاهمات تمت مع ممثلي الحكومة، وشدد على أن مجلس الإدارة الحالي سيعمل على حجب التمويل عن الميليشيات الحوثية، الذي استنزفته خلال الفترة الماضية في المجهود العسكري ودعم عمليتها الانقلابية. وحدد المحافظ الجديد للبنك في مؤتمر صحافي في الرياض أمس (الإثنين) ست مخالفات قانونية وقعت فيها الإدارة السابقة للبنك، غير أنه ألمح إلى أنها قد تكون ارتكبت بسبب الضغوط والترهيب الذي مارسته ميليشيات الحوثي على تلك الإدارة، مؤكداً أن محاولات الحكومة للعمل جنباً إلى جنب مع مجلس إدارة البنك المركزي السابقة باءت بالفشل، إذ «سعت الحكومة اليمنية طوال فترة الحرب نحو تفعيل العمل المشترك مع البنك المركزي اليمني لأجل تغليب المصلحة الوطنية، والحفاظ على حياديته واستقلاليته، ووضع حد لتبعات الحرب القائمة على الاقتصاد الوطني ومعيشة السكان. إلا أنه وللأسف الشديد لم تكن هناك استجابة من البنك المركزي الذي استمر في ممارسة أعماله غير القانونية في ظل سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ما أفقده حياديته واستقلاليته». وبيّن القعيطي أن من أبرز المخالفات التي سُجلت على الإدارة السابقة للبنك، إدارة حساب الحكومة في البنك المركزي بصورة مخالفة للقانون، بالسماح لممثلي ما كانت تسمى باللجنة الثورية بالتصرف بحساب الحكومة العام في البنك من دون اعتبار لسلطة الصرف التي حددها القانون لوزير المالية، كما مكّن الحوثيين من التصرف بالموارد العامة للدولة وفقاً لسياساتهم وقناعاتهم، وحرمان عدد واسع من موظفي الدولة من تسلم رواتبهم. مبيّناً أن البنك المركزي صرف مبلغ 25 بليون ريال يمني شهرياً ما يعادل 100 مليون دولار أميركي لمندوبين من الحوثيين سخر لدعم مجهودهم الحربي والمضاربة على العملة في سوق الصرف الأجنبي والاحتفاظ بجزء منه في خزائنهم الخاصة في صعدة وغيرها. وقال: «بلغ إجمالي السحوبات النقدية غير القانونية من الحوثيين في خزائن البنك المركزي في صنعاء والحديدة نحو 450 بليون ريال يمني، أي ما يعادل 1.8 بليون دولار أميركي خلال فترة ال18 شهراً الماضية». وأضاف محافظ البنك المركزي أن «ثاني المخالفات التي وقعت فيها إدارة البنك تتمثل في تغييب عدد من أعضاء مجلس إدارة البنك بما فيهم ممثلي الحكومة اليمنية في المجلس عن حضور اجتماعاته، إضافة إلى أن المحافظ السابق عمد إلى إدخال تعديلات جوهرية في نتائج المحضر المتفق عليه خلال الاجتماع الذي حضره جميع أعضاء مجلس إدارة البنك في عمّان مطلع العام الحالي، وبصورة مخالفة لما جرى الاتفاق عليه بالإجماع، إذ تم خلال الاجتماع مناقشة موقف الاحتياطات الخارجية كما هو عليه في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2015، والتطورات المالية العامة كما هي عليه في ذلك التاريخ واستقلالية البنك المركزي، والتفويض بالصرف من حساب الحكومة في البنك المركزي». ووصف القعيطي تلك الخطوة ببداية تدهور علاقة الحكومة بالبنك المركزي وفقدان الثقة باستقلاليته أو قدرته على الاحتفاظ بهذه الاستقلالية في ظل وجود مقره الرئيس في صنعاء الرازحة تحت هيمنة الحوثيين، إذ استمر البنك في عقد سلسلة من الاجتماعات لمجلس إدارته في صنعاء من دون مشاركة وزير المالية أو ممثل الوزارة وعدم توجيه الدعوة لهما، كما تم حجب المعلومات والبيانات الدورية عن الحكومة اليمنية. وأضاف أن المخالفة الثالثة جاءت في إدارة السيولة النقدية المحلية، من خلال الاحتفاظ بالمخزون النقدي بالعملة المحلية للبنك المركزي اليمني في صنعاء والحديدة من دون مراعاةٍ لمبدأ التوزيع العادل والآمن للاحتفاظ بالسيولة النقدية المحلية وتوزيعها في فروع البنك المركزي الأخرى وخصوصاً في المحافظات الجنوبية والشرقية، ما أدى إلى حرمان تلك المحافظات الواقعة تحت إدارة الحكومة اليمنية من حاجاتها من العملة المحلية، وظلت تعاني من انعدام السيولة النقدية المحلية اللازمة للاقتصاديات المحلية فيها وتعاني أيضاً من اختناقات شديدة في دفع مستحقات البنوك والجمهور ورواتب الموظفين في الجهاز الإداري للدولة وشريحة واسعة من المتقاعدين. وبيّن القعيطي أن البنك سعى إلى القيام بمخالفة رابعة تتمثل محاولة طباعة أوراق نقدية وتوريدها إلى صنعاء من دون علم الحكومة اليمنية، إلا أن الشركة الروسية التي تم الاتفاق معها على ذلك تجاوبت مع طلب الحكومة اليمنية في إيقاف تنفيذ تلك العملية، وأوقفت تعاملها مع إدارة البنك السابقة، وقال: «علمت الحكومة اليمنية من مصادرها الخاصة أن إدارة البنك المركزي أجرت اتصالات مباشرة مع شركة غوزناك الروسية لطباعة وتوريد 400 بليون ريال يمني وتبادل مسودة الاتفاق بصيغتين أحدهما بتوقيع المحافظ والأخرى بتوقيع نائب المحافظ، خلال أيار (مايو) 2016، على رغم أنه لم يشار في اجتماع الأردن ومراسلات البنك المركزي واتصالاته مع الحكومة اليمنية إلى حاجته لطباعة أوراق نقدية، إلا أن شركة غوزناك الروسية استجابت لطلب الحكومة وعلّقت التواصل مع البنك المركزي إلى حين التوصل إلى معالجة للموضوع». وأشار إلى أن من بين المخالفات «موقف الاحتياطات الخارجية»، إذ تشير المعلومات المتوافرة إلى أن الاحتياطات الخارجية للبنك المركزي بالعملات الخارجية بما في ذلك الوديعة السعودية على وشك النفاد، إذ انخفضت من 5.2 بليون دولار أميركي عشية دخول الميليشيات الانقلابية الحوثية إلى صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014 إلى أقل من 700 مليون دولار أميركي في نهاية آب (أغسطس) 2016، وهي ما تبقى من الوديعة السعودية، وعزا أسباب التدهور السريع في الموقف الخارجي للبنك إلى مواصلة استخدام الاحتياطات الخارجية وفقاً للسياسات القائمة في دعم سعر صرف واردات السلع الأساسية من الأرز والقمح والسكر والمشتقات النفطية وحصرها في مناطق محددة تقع تحت سيطرة الحوثيين واستغلالها للمضاربة بالعملة الأجنبية وأسعار المشتقات النفطية خلال 2015، على رغم محدودية الموارد بالنقد الأجنبي، وحاول اجتماع الأردن تدارك ذلك بتعديلات في سياسة دعم سعر الصرف للواردات السلعية ومركز العملة إلا أن الوقت كان متأخراً إذ أظهرت البيانات أن مستوى التدهور بلغ حوالى 1.5 بليون دولار أميركي. المنظومة المصرفية مكنت الحوثي من إطالة أمد الحرب قال مدير البنك المركزي اليمني الجديد منصر القعيطي أن سيطرة الحوثيين على المنظومة المالية والمصرفية مكنتهم من إطالة أمد الحرب، واستخدام موارد البنك المركزي لتمويل مجهودهم الحربي وجعل الحرب ممتدة لفترة طويلة. واعتبر أن إحدى أسوأ المخالفات التي أوشكت إدارة البنك الماضية على القيام بها، رفض الإدارة تنفيذ توجيه وزير المالية بتسييل الأرصدة الخارجية وتحويلها إلى سيولة نقدية بالريال السعودي في خزائن البنك المركزي، مبيناً أن مؤسسة النقد العربي السعودي قامت بالتفاهم مع الحكومة اليمنية بتسهيل إجراءات نقل فائض السيولة من النقد الأجنبي للبنوك التجارية اليمنية، خصوصاً من الريال السعودي إلى البنوك التجارية في السعودية، وكان ذلك بعد تسهيل دخول شحنة السيولة من الريال السعودي إلى المملكة قادمة من البحرين في حزيران (يونيو) الماضي، إلا أن البنك المركزي لم يصدر تصاريح للبنوك بالموافقة على ترحيل هذه الأموال ولم تتلق مؤسسة النقد العربي السعودي طلبات جديدة بترحيل الدفعات المتبقية من الريال السعودي. ولم يتجاوب البنك المركزي مع مخاطبات وزير المالية لنقل السيولة النقدية الخاصة بالبنوك اليمنية إلى السعودية، كما أنه لم يتجاوب مع طلبات البنوك التجارية اليمنية بهذا الخصوص. وشدد على أن البنك المركزي في صنعاء فقد حياديته واستقلاليته، إذ إن وجود مقره الرئيس في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الانقلابين الحوثيين أدى إلى استنزاف موارده بالعملة الوطنية الريال اليمني والنقد الأجنبي في الداخل والخارج، وجعلها في خدمة مصالح الانقلابيين وتمويل مجهودهم الحربي. وأشار إلى أن متطلبات الالتزام بالقانون رقم (14) لسنة 2000، وتعديلاته في شأن البنك المركزي اليمني وانتهاء فترة صلاحية مجلس إدارته استدعى صدور قرار جمهوري بإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي وفقاً للقانون، كما أن مجلس إدارة البنك المركزي عُيّن في أغسطس 2012، ووفقاً لقانون البنك المركزي فقد انتهت فترته القانونية، وبالتالي أصبح من صلاحية رئيس الجمهورية بموجب الدستور والقانون إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي، لافتاً إلى أن نقل مقرّ البنك المركزي إلى عدن سيؤدي إلى تحرير المنظومة المالية والمصرفية من هيمنة الحوثيين وجعلها في خدمة الاقتصاد والشعب اليمني ورعاية الحكومة اليمنية.