رجح وزير السلام في حكومة إقليمجنوب السودان الأمين العام ل «الحركة الشعبية لتحرير السودان» باقان أموم إرجاء موعد الاستفتاء المقرر بعد خمسة أشهر إذا استمرت أزمة المفوضية المعنية بتنفيذه، واصفاً إياها بأنها «مصابة بالشلل التام ولن تعمل في الأسابيع القريبة لأنها وصلت إلى طريق مسدود». وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» إن مؤسسة الرئاسة التي تضم الرئيس عمر البشير ونائبيه رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت وعلي عثمان طه، ستعقد اجتماعاً طارئاً الأسبوع المقبل لمناقشة المشاكل التي تعطل عمل مفوضية استفتاء جنوب السودان وتسوية الخلاف على ترسيم الحدود بين شمال البلاد وجنوبها وتشكيل مفوضية لاستفتاء منطقة ابيي الغنية بالنفط بين الانضمام إلى الجنوب أو البقاء في وضعها الحالي. وحذر أموم أمس من أن مفوضية استفتاء جنوب السودان «مشلولة» والاقتراع المقرر في بداية العام المقبل مهدد إذا لم تنشط في غضون أسبوعين. وقال خلال لقاء مع مجموعة محدودة من الصحافيين في الخرطوم: «إذا لم تتمكن مفوضية الاستفتاء من تسوية المشاكل التي تواجهها في غضون أسبوعين، فسيقتل الاستفتاء وستتحمل المفوضية مسؤولية ذلك». ورأى أن الشلل الذي أصاب المفوضية المكلفة تنظيم الاستفتاء سببه الخلافات بين أعضائها في شأن اختيار أمين عام لها، ما يهدد بإرجاء الاستحقاق. وأضاف: «من الواضح في ما يبدو أن لجنة الاستفتاء وصلت إلى طريق مسدود في عملية اختيار الأمين العام، وهي الآن مصابة بالشلل... إنها لا تعمل ومتوقفة تماماً». وتابع: «أخشى أن يكون هناك عناصر داخل اللجنة يخططون أو يؤيدون إرجاء الاستفتاء وربما يكونون في أسوأ الأحوال من مؤيدي التخلي عن حق الجنوبيين في تقرير المصير... وفي حال إرجاء الاستفتاء سيبلغ الإحباط وخيبة الأمل حدوداً لا يمكن معها السيطرة على الموقف»، مشيراً إلى أن غالبية الجنوبيين تفضل الانفصال. وحذر من أن «آمال وتوقعات شعب جنوب السودان تتعلق في شدة بذلك التاريخ (المقرر لإجراء الاستفتاء) لدرجة أنه سيكون من الخطر تأجيله لأن قدر الإحباط وخيبة الأمل سيكون كبيراً بحيث لن يمكن لأحد مواجهته». ورأى أن «رأي سكان الجنوب في الاستفتاء سيكون لمصلحة الانفصال لأن السودان لم ينقل نفسه إلى مجتمع متكافئ ديموقراطي كما كان يسعى اتفاق السلام... والدولة السودانية تفتقر إلى المكونات الحيوية للبلد الموحد لأن هناك عيوباً في الأساس الذي تقوم عليه. وهذا الأساس لا يمكنه الحفاظ على الوحدة، ونتيجة لذلك لا بد من أن ينهار الصرح السوداني». وأشار إلى أن «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم «لم يجعل من الوحدة شيئاً جاذباً بالنسبة إلى سكان الجنوب منذ التوصل إلى اتفاق السلام». وكان البرلمان السوداني أقر في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي قانوناً يحدد تشكيلة وصلاحيات لجنة تنظيم الاستفتاء، غير أن المفوضية المكلفة تنظيم الاستفتاء التي كان يفترض تشكيلها مطلع العام الحالي لم تتألف فعلياً إلا في نهاية حزيران (يونيو) الماضي، ولا يزال شريكا الحكم مختلفين على الشخص الذي ينبغي تعيينه أميناً عاماً لها. وبموجب القانون الذي أقر لتنظيم الاستفتاء، ينبغي وضع اللوائح النهائية للناخبين الذين يحق لهم المشاركة فيه قبل ثلاثة أشهر من إجرائه، أي ليس بعد التاسع من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إلا أن المفوضية لم تبدأ بعد عملية تسجيل الناخبين التي ستستغرق أسابيع. وفي جوبا عاصمة الجنوب، أكد رئيس أركان «الجيش الشعبي لتحرير السودان» الذي يسيطر على الإقليم جيمس هوث إن منطقته تشهد «حرباً» حول الموارد، وليس نزاعات قبلية، متهماً الخرطوم بالسعي إلى زعزعة الاستقرار في الجنوب مع اقتراب موعد الاستفتاء. لكنه شدد على أن «لا أحد يمكنه تعطيل الاستفتاء... وستكون في جنوب السودان دولة قابلة للحياة». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن هوث قوله في مؤتمر صحافي عقده في جوبا لمناسبة صدور كتاب ألفه بالاشتراك مع رئيس الاستخبارات في جنوب السودان كيول دنق ابوت، إنه «لا توجد نزاعات قبلية في جنوب السودان لكن هناك حرباً للسيطرة على الموارد، فالناس تريد ببساطة مزيداً من الأبقار». ووفقاً لتقديرات الأممالمتحدة، فإن 700 شخص على الأقل قتلوا ونزح أكثر من 150 ألفاً آخرين بسبب العنف في جنوب السودان منذ مطلع العام الحالي. وفي عام 2009، قتل 2500 شخص ونزح 350 ألفاً آخرين بسبب المعارك التي أرجعت إلى تصاعد العنف القبلي. واتهم الحكومة المركزية في الخرطوم بالسعي إلى «إثارة اضطرابات في الجنوب... ليقولوا للمجتمع الدولي إن الجنوب غير قادر على أن يحكم نفسه». وأضاف أن «مدنيين مسلحين يقتلون آخرين للحصول على مكسب صغير وليس لأن لديهم رؤية سياسية»، لكنه أقر بأن سياسيين جنوبيين يؤججون أحياناً النزاعات بين القبائل ليدعوا بعد ذلك أنهم أطفأوا نيرانها فيحققون بذلك «مكسباً سياسياً». من جهة أخرى، قال رئيس لجنة حكماء أفريقيا رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي خلال زيارته أمس الى ولاية جنوب كردفان المتاخمة لدارفور والجنوب، إن «السودان يواجه العديد من التحديات لكنه قادر على تجاوزها في نهاية المطاف وعندها سيكون مدرسة ومرجعية لدول القارة كافة»، مشيراً إلى أهمية إنهاء مشكلة دارفور قبل نهاية فترة اتفاق السلام الشامل. ودعا السودانيين إلى «طرح سؤال جوهري على أنفسهم، وهو ماذا سيحدث للسودان عقب إجراء الاستفتاء؟»، مؤكداً أهمية إدارة حوار مستفيض على المستويات كافة للإجابة على مثل هذا السؤال.