طالب اقتصاديون بضرورة إيجاد آلية صارمة لتحقيق وتطبيق بنود خطة التنمية التاسعة، التي أقرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين أول من أمس، ومتابعة تنفيذها حتى تحقق الأهداف الكبيرة التي بنيت عليها، وشددوا على أن هذه الخطة تركز على التنمية المستدامة والتنافسية، بهدف المحافظة على الثروات الطبيعية حتى تخدم هذا الجيل والأجيال المقبلة. وأوضحوا في حديثهم ل«الحياة» أن الخطة التاسعة وهي الأضخم في خطط التنمية السعودية تركز على تنمية الإنسان السعودي، ليكون عنصراً فعالاً في عملية التنمية، فهي تستهدف المواطن وتستثمر فيه. وقال أستاذ الاقتصاد المساعد في كلية الملك فهد الأمنية الدكتور عبدالعزيز الطويان، إنه لو أردنا أن نلخص أهداف خطة التنمية التاسعة في كلمتين لقلنا: «التنمية المستدامة والتنافسية، فالخطة عكست اهتمام القيادة الرشيدة بالمحافظة على الثروات الطبيعية في المملكة حتى تخدم هذا الجيل والأجيال المقبلة، مع التركيز على تنمية الإنسان السعودي ليكون عنصراً فعالاً في التنمية». وأضاف أنه إلى جانب الثروة النفطية والغاز، خفضت الخطة نسبة النمو المستهدفة في قطاع النفط والغاز مقارنة بالخطة الثامنة، إذ تراجعت النسبة من 23,7 إلى 19,6 في المئة، وهو ما يعكس الحرص على عدم استنزاف هذه الثروة والمحافظة عليها لخدمة الأجيال المقبلة، وهذا هو جوهر التنمية المستدامة، لافتاً إلى أنه على صعيد الإنسان السعودي فإن الخطة ركزت على مشاركته في التنمية من خلال خلق الفرص الوظيفية المناسبة، إذ تستهدف الخطة خفض نسبة البطالة من 9,6 إلى 5,5 في المئة، وذلك من خلال توفير فرص التعليم والتدريب التي سترفع كفاءة العامل والموظف السعودي. وتابع الطويان قائلاً: «الخطة ستعمل على رفع الطاقة الاستيعابية للمنظومة المدرسية إلى أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة، وستزيد الطاقة الاستيعابية للجامعات والكليات الحكومية لت،ستوعب 1,7 مليون طالب وطالبة، أما على صعيد الأيدي العاملة الماهرة وشبه الماهرة، فسيتم التوسع في افتتاح الكليات والمعاهد التقنية العليا والمعاهد المهنية الصناعية، إذ سيتم افتتاح 25 كلية تقنية جديدة و28معهداً تقنياً عالياً، إضافة إلى 50 معهداً صناعياً. وأوضح أن الخطة تستهدف تعزيز قدرة الاقتصاد السعودي للانتقال من الاقتصاد المعتمد على تصدير المواد الخام إلى الاقتصاد المعتمد على القيمة المضافة، ما سيعزز دخول الأفراد وبالتالي رفع المستوى المعيشي للفرد، مشيراً إلى أن رصد 1.44 تريليون ريال، وبمعدل 290 بليون ريال سنوياً على مشاريع البنية والتنمية وإعداد الإنسان السعودي سيحفز على عملية جذب الاستثمارات الضخمة، والعمل على نقل التكنولوجيا وتوطينها. من جهته، أكد رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز إسماعيل داغستاني، أن إقرار خطة التنمية التاسعة من مجلس الشورى لم يكن سهلاً، بعد أن أثار أعضاء المجلس حولها تساؤلات عدة قبل أن يقرها المجلس بغالبية بسيطة. وأشار إلى أن مجلس الوزراء اعتمد الخطة التي جاءت بأرقام طموحة وتوقعات متفائلة جداً وموازنة ضخمة تجاوزت 1,4 تريليون ريال، وهو مبلغ كبير يفوق بنسبة 67 في المئة ما رصد لخطة التنمية الثامنة، ويجسِّد حرص الحكومة على تحقيق برامج التنمية المعتمدة في الخطة، مطالباً بالحرص على تنفيذ برامج الخطة ومشاريعها وتحقيق أهدافها في مددها الزمنية المحددة. ولفت إلى أن تجربة الخطط السابقة تؤكد أن هناك تبايناً كبيراً بين ما يتم التخطيط له وما ينفذ في الواقع، ولهذا تفقد خطط التنمية أهدافها ويصعب متابعة برامجها، ولعل ما حدث في إنشاء المدن الاقتصادية مثال على ذلك، إذ تم هذا الموضوع خارج نطاق خطة التنمية الثامنة، وهناك أمثلة أخرى عدة على التباين بين التخطيط والإنجاز في مجالات عدة في قطاعات الصحة والتعليم. لذا أتمنى أن تكون هناك آلية صارمة للتحقق من تنفيذ برامج ومشاريع الخطة كما تم اعتمادها، حتى يمكن أن تتحقق بالتالي توقعات الخطة في ما يخص دخل المواطن أو معدل النمو أو نسبة البطالة أو حجم المشاريع التي تسهم بشكل مباشر في تحسين معيشة المواطن. وقال داغستاني إن خطة التنمية التاسعة جاءت في ظروف اقتصادية مغايرة، إذ ان الأزمة العالمية الراهنة ما زالت تلقي بظلالها على بعض جوانب الاقتصاد، وهو ما يؤثر بالضرورة في نسبة النمو، إذ تستهدف الخطة نمو الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص بمعدل سنوي متوسط قدره 6,6 في المئة، مؤكداً أن تحقيق هذا المعدل يرتبط بالضرورة بمساندة القطاع الخاص لتجاوز بعض الاختناقات التي سببتها الأزمة العالمية، خصوصاً في ما يتعلق بتمويل المشاريع التنموية التي ينفذها القطاع الخاص، وارتباط ذلك بالتسهيلات الائتمانية أو القروض التي تقدمها البنوك التجارية. وشدد داغستاني على ضرورة مواجهة الفساد الإداري والمالي، إذ ما زالت تقارير ديوان المراقبة العامة تكشف عن تجاوزات كبيرة في استخدام المال العام، ويجب الحرص على حسن استخدام المال العام، وحسن إدارة هذه المشاريع حتى يمكن أن تثمر في مشاريع جيدة تتم وفق المواصفات ولا تكون فيها تجاوزات مالية. وحث على وجود آلية صارمة لتنفيذ الخطة ومتابعتها حتى يمكن تحقيق الأهداف الكبيرة التي تهدف إلى تحقيقها، إذ قد يصعب في المستقبل أن تتوافر لدينا هذه الإمكانات المالية الحالية.