كان الإعلامي والأكاديمي أحمد زين الدين في أوج عطائه عندما انقض عليه المرض العضال فراح يقاومه حتى الرمق الأخير، إلى أن تمكن من جسده ولكن ليس من حضوره الإعلامي المشرق، سواء في كلية الإعلام -الجامعة اللبنانية أم في مؤسسات عربية أقام فيها دورات إعلامية، أم في إشرافه على محترفات وبرامج في الصحافة المكتوبة والإلكترونية. في الرابعة والخمسين من عمره رحل، شاباً ملؤه الحماسة والشغف بهموم الصحافة والإعلام، وكيفية العمل على تطوير مفاهيمهما لمواكبة الثورة المعلوماتية التي يشهدها العصر. وكان مُنح قبل أشهر رتبة الأستاذية (بروفسور) تتويجاً لتجربته الأكاديمية وصرامته المنهجية التي تفرّد بها بعدما عيّن رئيساً لقسم الصحافة في الكلية. وعندما تقدم إلى شهادة الدكتوراه في جامعة رين الفرنسية عام 1990 (بعد تخرجه في كلية الإعلام -الجامعة اللبنانية في 1984) اختار موضوعاً إشكالياً للأطروحة هو «الإعلام والتنمية في العالم العربي»، وكانت الدكتوراه هذه حافزاً له على خوض غمار الصحافة العربية ومشكلاتها والأزمات التي تعانيها. ولعل ما ميز تجربة زين الدين في الحقل الإعلامي هو اختباره العمل الصحافي عن كثب قبل الالتحاق بكلية الإعلام أستاذاً، فتسنى له أن يجمع بين أصول المهنة وحرفيتها والاختصاص الأكاديمي، فلم يأت التعليم من النظريات والكتب فقط. وهو أصلاً بدأ الكتابة في الصحف باكراً، ناشراً مقالاته في صحف عدة. وظل حتى أيامه الأخيرة يكتب المقالات ذات الطابع الاختصاصي والأبحاث الجامعية التي تشكل مرجعاً للباحثين وللطلاب الجامعيين في آن واحد. أما القطاع الآخر الذي برز فيه اسم أحمد زين الدين لبنانياً وعربياً فهو قطاع التدريب الإعلامي الذي انبرى له، مشرفاً على محترفات وورشات ومدارس في لبنان والعالم العربي. ووظف في هذا العمل خبراته الصحافية والأكاديمية ليكون بمثابة المعلم الحاذق للطلاب أو الصحافيين المتمرنين، يوجههم ويصحح لهم ويساعدهم على مواكبة الطرق والأساليب الحديثة في الإعلام. وكانت له تجربة مهمة في برنامج «الحوار الإعلامي» في البي بي سي- لندن وفي مركز «الجزيرة» للتدريب الإعلامي-قطر. وفي مؤسسة «الحياة» كان له دور أساسي وفاعل في تأسيس «مدرسة الحياة» التي ضمت شريحة من طلاب الإعلام والصحافيين الشباب والجدد من السعودية والعالم العربي، وأدى فيها على خير وجه، دور الأستاذ والمدرب والموجه. ونمّ المنهج الذي اعتمده في التدريب عن سعة ثقافته في حقل الإعلام وعن إلمامه بالتقنيات الحديثة. وكان أستاذاً وصديقاً لطلابه، يزرع فيهم حب المهنة ويلقنهم أصول كتابة الخبر وكتابة المقال والتحقيق أو الريبورتاج علاوة على الدروس النظرية التي تساعدهم على امتلاك ثقافة إعلامية. وفي العام 2008 أصدر كتاباً ضمّنه خلاصة اختباراته في حقل الكتابة الصحافية والتحرير عنوانه «التحرير الصحافي- دليل علمي» وسرعان ما نفدت طبعته الأولى فأعاد طبعه. والكتاب هذا ليس موجهاً فقط إلى طلاب الإعلام بل إلى أهل الصحافة على اختلافها، فهو بحق دليل إلى شتى أنواع الكتابة الصحافية، تقنياً ولغوياً وتعبيرياً. شارك زين الدين في مؤتمرات إعلامية عربية ودولية وكانت له فيها مداخلات قيّمة، وشارك أيضاً في لجان تحكيم ولجان بحث علمية. وله ترجمات عن الفرنسية التي كان يجيدها ويكتب بها. أسرة «الحياة» تتقدم من عائلته ومن الزملاء الصحافيين ومن الأسرة الأكاديمية في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية بأحر التعازي راجية من الله أن يسكنه فسيح جنانه.