«مُجاز في الإعلام» تعبيرٌ بات يترّبع على أعلى صفحة السيرة الذاتية لمئات اللبنانيين، بعدما تكاثرت أعداد الجامعات التي تُدرّس الإعلام في كليات أو أقسام خاصة، لتمنحهم شهادات تشكّل مفتاحهم للدخول الى السوق الإعلامية، لبنانياً وعربياً. وخلال السنوات الأخيرة، برزت أكثر من 3 كليات جديدة للإعلام أضيفت الى الجامعات التي سبقتها في اعتماد هذا الاختصاص، وليقارب عدد كليات الإعلام العشر في بلد يضطر فيه عدد من المؤسسات الإعلامية الى إقفال أبوابه لأسباب مختلفة. وإزاء هذا الواقع المتناقض بين المجالين الأكاديميّ والمهنيّ، يبرز السؤال التالي: هل تخرّج كليات الإعلام في لبنان كفاءات إعلامية قادرة على خوض غمار العمل بمهنية عالية؟ وهل تساهم هذه الكليات في إيجاد فرص العمل للشباب أم أنّها تخرّج فائضاً من القوى العاملة فيما لم تعد المواهب اللبنانية هي وحدها الطاغية على المشهد الإعلاميّ العربيّ؟ مناهج وأساليب تعليمية مختلفة لكلّ جامعة في لبنان طريقة تعليم خاصة بها، وكذلك المنهج الذي تعتمده ويميّزها عن بقية الجامعات، وهذا ما تمكن ملاحظته في تخصص الإعلام تحديداً، إذ تُطبّق كلّ كلية أو قسم أساليب متنوّعة، ما يؤدي الى اختلاف في المهارات المكتسبة أيضاً لدى الطلاب. ويرى عميد كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج كلاس، أنّ هذه الكلية تبقى ذات موقع رائد، والسبب يعود الى أنّها تساعد الطلاب على اكتساب ثقافة متكاملة وليس فنّاً واحداً من فنون الإعلام، لينطلق الطالب بعد الإجازة الى التخصّص في مجال إعلاميّ معيّن. وتستقطب الجامعة الوطنية العدد الأكبر من الطلاب الراغبين في التخصّص في الإعلام، على رغم حاجة الكلية الى تجهيزات ملائمة للمتطلبات الحديثة في المهنة. ومع ذلك، استطاعت كلية الإعلام أن تحتفظ بموقعها بين الكليات الأخرى، خصوصاً بعد تطبيق نظام الLMD (إجازة، ماجستير، دكتوراه)، ما سمح للطلاب بمتابعة دراساتهم العليا في لبنان، وبأن يختاروا بين الماجستير البحثيّ والمهنيّ، بحسب طموحات كلّ طالب. أمّا في جامعة «سيّدة اللويزة» (NDU)، فيشير رئيس قسم الصحافة الدكتور جوزيف عجمي، الى أن الطلاب يتوزّعون على 3 اختصاصات رئيسية في مرحلة الإجازة: الإعلان والتسويق، الصحافة، الإعلام المرئي والمسموع. وتقدّم الجامعة للمجازين فرصة متابعة مرحلة الماجستير والاختيار بين 3 اختصاصات: الإعلان، الصحافة والإعلام الإلكترونيّ. ويوضح عجمي أنّ قسم الصحافة في الجامعة في تطوّر دائم، بحيث ينخرط الطلاب في الاتجاهات الحديثة للإعلام من خلال إدخال تعديلات على المناهج بما يلائم التطوّرات الجديدة. ومن الجامعات التي تُعتبر ذات موقع متقدّم في المجال الإعلاميّ أيضاً، جامعة «البلمند»، التي تتضمن قسماً خاصاً للإعلام يقدّم إجازة في الفنون الإعلامية، بالإضافة الى خيار المتابعة عبر دراسات الماجستير. ويشرح الأستاذ في قسم الإعلام الدكتور سليمان البصومعي، أن المنهج التعليمي في القسم يرتكز على تطوير المعارف النظرية والكفاءات المهنية من خلال تعريف الطلاب بمختلف المواد التي تدخل في صلب تخصصهم. ويشير البصومعي الى أن جامعة «البلمند» تتميز بإطلاق أول ماجستير مهني في الإعلام المرئي والمسموع، بالتعاون مع مركز CFPJ الفرنسي. والأساليب التعليمية الحديثة تأخذ مسارها أيضاً في كيلة الإعلام في جامعة «الجنان» (في مدينة طرابلس شمال لبنان). وتشرح عميدة كلية الإعلام الدكتورة غادة صبيح، أن طريقة إعطاء المحاضرات في تخصص الإعلام يتم تعديلها بما يتماشى مع الطرق والوسائل التعليمية الحديثة. والتطوير الفعلي كان على صعيد المواد التطبيقية، إذ جرى تحويلها الى شبه ورش عمل داخلية دائمة، وذلك من خلال الاستعانة بمركز التدريب الخاص لطلبة كلية الإعلام وبتجهيزات تسمح لهم بالتطبيقات المختلفة. كما أن الكلية ابتكرت التدريب النهائي تحت مسمّى «المحترف الإعلامي» حيث يجري اختبار مهارات الطلاب المكتسبة من المواد التطبيقية المتعددة في حصة واحدة. وإلى الجامعات المذكورة، ثمة مؤسسات تعليمية عالية أخرى تنضم الى لائحة الجامعات التي تتضمن أقساماً خاصة بالإعلام، ومنها الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)، الجامعة الأميركية اللبنانية (LAU)، الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم (AUCE) وجامعة بيروت العربية (BAU). مراكز التدريب تنافس الكليات كثرة أعداد كليات الإعلام في لبنان تقابلها أيضاً ظاهرة مراكز التدريب الإعلامية التي تنشأ في بلاد الأرز، وهي تستخدم برامج تدريبية حديثة ضمن دورات متكاملة بالتعاون مع مدرّبين، لمساعدة الصحافيين أو هواة الإعلام على أن يكونوا متمكّنين أكثر على صعيد أدائهم المهني. وأحصت «الحياة» وجود أكثر من خمسة مراكز، منها ما يعمل ضمن النطاق المحليّ فقط، ومنها من يتعاون مع جهات خارجية كالجامعات الأجنبية والمنظمات المدنية الناشطة في المجال الإعلامي. ولكن، يحذّر كلاس من هذه الظاهرة، إذ يتجه بعض حملة الإجازات في غير حقل الإعلام نحو هذه المراكز للمشاركة في دورات تدريبية لفترة زمنية معيّنة فيحملون شهادة تظهرهم كصحافيين متخصّصين. ويلفت كلاس أيضاً الى وجود قلق كبير من الحماية المفقودة لتخصص الإعلام، مطالباً المؤسسات الحكومية والخاصة بضرورة الاستعانة بالمجازين في الإعلام فقط وحملة الشهادات الجامعية، بما يحافظ على مستوى المهنة. ولكن ظاهرة مراكز التدريب الإعلامية لا تقتصر على لبنان فقط، بل باتت منتشرة في كثير من الدول العربية، وهي ذات موقع عالٍ جداً في الدول المتقدّمة. إلا أن المقارنة بين المراكز المحلية وتلك العالمية، تُظهر أن التوجّه في لبنان يناقض المفهوم الحقيقي لمركز التدريب، الذي يجب أن يكون مساعداً للجامعة وليس مساوياً لها أو أن يحل مكانها، وهو مخصّص للإعلاميين المجازين الذين يرغبون في تطوير مهاراتهم، وليس لهواة الإعلام. وهذا الواقع يعزّز القلق السائد في لبنان لدى الخبراء الإعلاميين حول المستوى المهنيّ المتراجع للعاملين في الوسائل الإعلامية المحلية، ما ينعكس في شكل مباشر على مضامين الوسائل الإعلامية المختلفة. تصدير المهارات الإعلامية بين كليات ومراكز التدريب تكون النتيجة النهائية أعداداً كبيرة من المتخرجين سنوياً، فمن الجامعة اللبنانية وحدها يتخرج حوالى 150 مجازاً سنوياً. وفي جامعة الجنان، هناك أكثر من 100 طالب يدرسون الإعلام حالياً، فيما هناك 70 طالباً في سنوات الإجازة والدراسات العليا في جامعة البلمند. وأمام هذه الأرقام، يصبح السؤال التالي ملحّاً: هل للسوق المحلية القدرة الاستيعابية لهذه الأعداد من الخريجين؟ في هذا السياق، تجهد الجامعات الخاصة في لبنان لمساعدة الخريجين لإيجاد الوظائف في لبنان والدول العربية. ويلفت عجمي (جامعة سيدة اللويزة) الى أن سوق العمل في الدول العربية تستوعب عدداً من الطلاب المجازين، خصوصاً في مجال التسويق والإعلانات، فيما ينجح طلاب آخرون في التعاقد مع مؤسسات إعلامية محلية للعمل فيها. وللجامعة دور أساسي، من خلال مكتب التوظيف الذي يجمع بين طلبات المؤسسات ومهارات الطلاب. وتؤكد صبيح (جامعة الجنان) أن التدريب الميداني للطلاب يفتح المجالات أمامهم لمزاولة العمل في المؤسسات الإعلامية. لكن اعتماد المتخرجين اللبنانيين على السوق الإعلامية العربية يحمل أيضاً مخاطر عدة في المستقبل القريب، إذ تتزايد أعداد خريجي الإعلام في مختلف الدول العربية، وتحديداً دول الخليج. ومن الأمثلة الواضحة في هذا السياق، مطالبة خريجي كليات الإعلام في الإمارات العربية المتحدة، بضرورة أن يتصدروا مشهد العاملين في المجال الإعلامي المحلي، باعتبارهم «الأجدر في التعبير عن تطلعات أبناء مجتمعهم وهمومهم». لذا ينصح كلاس بضرورة إعادة توجيه الطلاب المقبلين على الدراسة الجامعية بعيداً من الغايات التجارية، فسوق العمل تحتاج تخصصات أخرى، مثل إدارة المعلومات، من دون أن يكون هناك إقبال من الطلاب عليها، «ومثل هذه «الحلول الإنقاذية» يمكن أن تحمي الإعلام اللبناني، فيتبوأ كل مُجازٍ في الإعلام مكانه بجدارة... ليؤدي المهمة الأساسية المطلوبة منه بكفاءة عالية».