الازدحام على باب قلعة دمشق، وجلبة دخول أكثر من ثلاثة آلاف متفرج، حسمه الموسيقي اللبناني مرسيل خليفة بعد أول ضربة ريشة على عوده، في حفلتيه المتتاليتين، وبعد سنتين على إقامته حفلة في احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية. انتظم الجمهور الآتي من كل المحافظات السورية، وهدأ مع ألحان فرقة «الميادين» التي مرّ على تأسيسها نحو 36 سنة، وتضم اليوم أفراداً من لبنان وسورية ومقدونيا وفرنسا والنمسا. خرجت أغنيات وموسيقى «الميادين» مع تبدل أعضاء الفرقة منذ ذلك الوقت إلى الآن بنفس مستوى الاندفاع للوطن والحبيبة والحرية والمعاني، بعيداً من مباشرة عابرة، أو تفاعل جمهور آني، تبعاً لمنهج موسيقي عمل صاحب «كونشرتو الأندلس للعود والأوركسترا» على جعله يتشعّب بسلاسة. جولة «الميادين» التي كان آخرها في شفشاون المغربيّة، وجربة التونسيّة، توقفت عند القلعة الدمشقية بنماذج غنائية تركزت على الشعر المحكي وأهمه ما لحّنه خليفة لطلال حيدر، ك «ركوة عرب»(1995) وموّال «قومي اطلعي عَ البال» (1990) الذي اتبعه في الحفلة بمزج موسيقي استثنائي مع أغنية «سجر البنّ». ومن ثم قدم «لبسو الكفافي»، إضافة إلى «كمنجات» الشاعر الراحل محمود درويش مع أميمة الخليل، ورافقت يولا كرياكوس خليفة في أداء أغنية «تعاليم حورية» التي لم يحظَ الجمهور بتسجيل صوتي لها حتى الآن، والمكتوبة خصيصاً من درويش لأمه حورية. وتضمن برنامج الحفلة موشّح الحلاج «يا نسيم الريح»، وقصيدة «أجمل حبّ» لدرويش من أسطوانة «من أين أدخل في الوطن». وأتبعت الميادين موال «يا مويل الهوى» الفلسطيني بكلمات قصيدة الشاعر أدونيس : «انهض يا ثائر، يا عاطف زندك، فالأعالي تشتهي بندك»، وشارك «الميادين» 16 عازفاً ومغنياً سورياً، بينهم: فراس شهرستان (قانون) ومحمد عثمان (بزق) ومسلم رحال (ناي) وكنان إدناوي (عود)، إضافة إلى صوت ليندا بيطار ونهى ظروف ضمن الكورال المرافق للفرقة. وكالعادة أهدى خليفة أغنية «عصفور طل من الشباك» إلى كل السجناء العرب في السجون الإسرائيلية، مضيفاً: «وأهديها أيضاً إلى كل السجناء العرب في السجون العربية». ارتجال ممتع من رامي خليفة حظي به الجمهور في أغنية «جواز السفر»، بينما تفرد بشار خليفة بارتجال ساحر آخر على الإيقاع في أغنية «يا بحرية»، إلى جانب ألكسندر بيتروف (طبل). هي محاولة كما قال ملحن أحمد العربي (1984) لأخذ الجمهور السوري إلى حيث : «لا تنهار المسافات بين الآتي والبعيد، السطحي والعميق، بين وجدان ينوء تحت وطأة هزائم تطل على الأنفس بالتقسيط وبين إرادة قدّت من صخرة الأمل الذاهب في مغامرة الوقوف على قدمين راسختين أمام المشهد المنهار»، أو هو كما يكمل: «فرح يقارع الحزن وأمل يؤجل يأساً، وأفق يفتح مجهولاً، وهمس يشيع صمتاً». خليفة الذي قطع مشواراً فنياً بعيداً في الساحة الموسيقية العربية، لا يتوانى عن القول بسعيه لتطوير أدواته الفنية: «سأظل أكتب الحياة كما أعيشها، وكما أراها، وسأدون أحلامي بالحرية، وسأصر على أن أكون كما أريد لا كما يريدون، وسوف لن أنتبه إلى الضجيج التي تثيره العربات الفارغة لأنني واثق من قلب الحب». وغنى صاحب «وعود من العاصفة» مع الجمهور الآتي من دول مجاورة أيضاً كلبنان، والأردن قصيدة «ريتا والبندقية»، سارحاً بالكلمات مع وجوه المصطفين أمامه، كما قدم «منتصب القامة أمشي»، كما أهدى المقطوعة الموسيقية «لعيون حبيبتي/ تانغو» إلى المناضل تشي غيفارا.