لم يكن أحد في الاتحاد السوفياتي يتوقع، أن صباح يوم 19 آب (اغسطس) 1991 (قبل ربع قرن) سيكون حاسماً للبلاد والخرائط والسكان والمستقبل. ربما باستثناء مجموعة صغيرة حملت على عاتقها «إنقاذ البلاد من التفكك» فقادتها خلال يومين نحو «أكبر كارثة في القرن العشرين» وفق تعبير الرئيس فلاديمير بوتين في وقت لاحق ودوره الخفي في تلك الفترة. في ذلك اليوم الماطر وبحسب عادة وسائل الاعلام السوفياتية عند وقوع حدث جلل، انقطع البث التلفزيوني ليلاً وبصورة مفاجئة، وبعد بث مقطوعات موسيقية ظهر نائب الرئيس غينادي يانايف ليعلن فرض حال الطوارئ في البلاد. وأكد يانايف في بيان أن تحرك المجموعة التي أطلقت على نفسها اسم «لجنة الطوارئ» هدفه الحفاظ على الاتحاد السوفياتي ووقف حال التدهور التي أدت اليها سياسات الرئيس ميخائيل غورباتشوف وبرامج ال «بيريسترويكا». وفي الساعات الأولى للانقلاب، نجحت اللجنة في دفع قوات الجيش الأحمر الى شوارع موسكو ومدن أخرى للسيطرة على الأمور، بعدما عزلت غورباتشوف الذي كان يقضي إجازة في شبه جزيرة القرم على البحر الأسود. اللافت أن المجموعة المؤلفة من ثمانية اشخاص، وأطلق عليهم في وقت لاحق وبعد انهيار المحاولة، «عصابة الثمانية» كانت تضم أبرز مسؤولي الأجهزة الحكومية وبينهم اضافة الى نائب الرئيس، دميتري يازوف وزير الدفاع وبوريس بوغو وزير الداخلية وفلاديمير كريوتشكوف رئيس لجنة أمن الدولة (كي جي بي). لكنها فشلت في السيطرة على الأمور وانقلب المشهد ضد الانقلابيين خلال ساعات النهار ليحسم «انصار الديموقراطية» الذين كان يقودهم الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن الموقف في اليوم التالي. كانت المحاولة الانقلابية تهدف الى إحباط توقيع اتفاق لتشكيل اتحاد فيديرالي بديل عن الدولة المركزية السوفياتية وكان مقرراً البت في شأنه في 20 آب. وشكل التحرك العسكري «استجابة» لقرار «الشعوب السوفياتية» التي صوتت في استفتاء نُظم في آذار (مارس) من العام ذاته لمصلحة المحافظة على وحدة الدولة السوفياتية. بينما كانت ست جمهوريات سوفياتية هي لتوانيا ولاتفيا واستونيا وجورجيا ومولدافيا وارمينيا أعلنت في ذلك الوقت استقلالاً من جانب واحد. ومع إصرار غورباتشوف على المضي بتوقيع المعاهدة الجديدة على رغم الانقسام الحاد داخل اركان القيادة السوفياتية، جرى ليل 18 آب تشكيل لجنة الطوارئ وتم تحديد ساعة الصفر. كان المشهد حول «البيت الأبيض» مقر البرلمان الفيديرالي لروسيا السوفياتية في ذلك الوقت لافتاً، اذ مع حلول الصباح بدأ يتجمع مواطنون حول الدبابات التي انتشرت بكثافة في الشوارع، ولم يخف رئيس البرلمان آنذاك رسلان حزب اللاتوف الذي كان أحد رموز «الليبراليين» الذين دعموا يلتسن في مواجهته، أن الأخير ارتبك وأجرى اتصالات مع السفارة الأميركية، وكان يفكر في حال تعقدت الأمور، طلب اللجوء اليها، لكن انصاره اقترحوا عليه إصدار بيان يدعو فيه الروس الى النزول الى الشوارع وتحدي الانقلاب، وهذا أمر لم يكن سهلاً لأن وسائل الاعلام أغلقت بحكم حال الطوارئ المعلنة. وعلى رغم ذلك صدر البيان ولقي استجابة سريعة من آلاف تجمعوا حول مبنى البرلمان الذي شكل رمزية عالية لمواجهة الانقلاب. ما لم يحسبه يلتسن حينها ان قادة الانقلاب كانوا أكثر ارتباكاً منه، وقيل في مرحلة لاحقة ان قائده يانايف كان في حالة توتر عالية وانتقل الى بيته الريفي حيث احتسى كمية كبيرة من الكحوليات. بينما برز تردد القادة العسكريين وسرعان ما أمر وزير الدفاع وحدات الجيش بالانسحاب من مواقع، ما اثار نشوة كبرى لدى المعتصمين الذين شعروا بأن المبادرة انتقلت اليهم. في اليوم التالي كان الوضع يقترب من الانفجار، لكن انضمام وحدة من قادة الدبابات المنتشرة في موسكو الى المتظاهرين قلب المعادلة، وأسفر عن المشهد الذي بات مركزاً لفشل المحاولة الانقلابية، عندما صعد يلتسن على ظهر احدى الدبابات ودعا انصاره الى مواصلة الاحتجاجات لحين الانتصار على الانقلاب. وشكل انتحار وزير الداخلية عنصراً آخر محبطاً شجع يلتسن على إرسال وحدات من الشرطة لاعتقال الانقلابيين وزجهم في السجن سنة تقريباً أطلقوا بعدها بعفو رئاسي، صدر بعد توقيع اتفاق حل الاتحاد السوفياتي في 8 كانون الأول (ديسمبر) من ذلك العام. ومع مرور 25 سنة على الزلزال الذي هز «الدولة العظمى» لا يزال كثير من الاسئلة من دون أجوبة عن حال التردد والعجز التي سيطرت على الانقلابيين، وعن تفاصيل اليومين الساخنين اللذين قال نصف الروس في استطلاع أجري أخيراً انهم «لا يعرفون ما الذي جرى على وجه التحديد» خلالهما.