بين مؤسس الاتحاد السوفياتي فلاديمير لينين وآخر قادته ميخائيل غورباتشوف 66 عاماً، بدأ فيها الأول بناء أكبر دولة في العالم، إذ أصبحت تمثل مساحتها في أوج توسعها أكثر من خمس المساحة الإجمالية للكرة الأرضية، فيما أقدم الآخر على تفكيك ما قام به الأول. الأهمية في نظر الكثيرين واحدة. في مثل هذا اليوم قبل 26 سنة، وتحديداً في 11 آذار (مارس) 1988، أصبح ميخائيل سيرغيفيتش غورباتشوف رئيساً للاتحاد السوفياتي. ولم يكن في خلد أكثر المتشائمين في الاتحاد الأكبر على مستوى العالم أن الرئيس الجديد "الأخير" سيعلن تفكيك الاتحاد الذي تأسس في 26 كانون الأول (ديسمبر) 1922. لكن من هو غورباتشوف؟ وما هو السبب الرئيس في تفكك الاتحاد السوفياتي، وهل يحن إليه؟ نظرة على الاتحاد السوفياتي أعلن قيام الاتحاد السوفياتي رسمياً في 26 كانون الأول (ديسمبر) 1922. لم تكن للاتحاد حدود دولية ثابتة منذ نشأته، إذ تغيرت حدوده بتغير الزمن وتعاقب الحوادث التاريخية، إذ قاربت حدود الدولة الوليدة بعد الحرب العالمية الثانية حدود الإمبراطورية الروسية السابقة، بعد ضم مساحات شاسعة من الأراضي المجاورة له في دول البلطيق وشرق بولندا ومناطق في شرق أوروبا. وتكون في البداية من اتحاد أربع جمهوريات، إلا أنه بحلول العام 1956 أصبح كياناً يمثل 15 دولة. ضخامة الاتحاد السوفياتي كانت في أبسط صورة تتمثل في أنه يضم في فضائه 12 منطقة زمنية وخمسة مناطق مناخية مختلفة. من هو غورباتشوف؟ ولد غورباتشوف في 2 آذار (مارس) 1931 في قرية بريفولنويا في إقليم ستافروبول لأسرة تعمل في الفلاحة. تخرج من كلية الحقوق في جامعة موسكو عام 1955، وعمل عام 1962 في تنظيمات الحزب الشيوعي السوفياتي، وأصبح في العام 1970 عضواً في مجلس السوفيات الأعلى. وانتخب عام 1971 عضواُ في اللجنة المركزية للحزب. ثم أصبح سكرتيراً للجنة المركزية للحزب الشيوعي للشؤون الزراعية عام 1978، لينتقل بعدها إلى موسكو. انتخب الرئيس القادم من خلفية زراعية في 1985 لمنصب السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي. وفي العام 1986 باشر عمله سكرتيراً عاماً للحزب، وبدأ في إجراء الإصلاحات في اقتصاد البلاد وفي الحياة العامة، ودعا إلى إحداث تغييرات ديموقراطية في المجتمع وزيادة النشاط السياسي للشعب، وألغى الرقابة على وسائل الإعلام. عرفت سياسة غورباتشوف تلك منذ حزيران (يونيو) 1986 ب"البيريسترويكا" (إعادة البناء). غورباتشوف يُجيب... لماذا سقط الاتحاد السوفياتي؟ أجاب غورباتشوف على السؤال الذي لا يزال يسأله كثير من المواطنين الروس، في حواره مع صحيفة "بريسا" النمسوية، إذ قال أن السبب الرئيس يعود إلى أن النظام الذي كان قائماً في الاتحاد السوفياتي. إذ "قام النظام على الأساس الإداري القمعي، ولا يخلو من التسلط، وسيطرة واحتكار الحزب. فعلى سبيل المثال، كان يتعين من أجل بناء دورة مياه عامة في ستافروبل، في مركز المدينة، التوجه الى طلب موافقة موسكو. وهذا النظام بالذات أفلس، ولكن ليس الاتحاد السوفياتي في ذاته". هل كان في الإمكان إنقاذ الاتحاد السوفياتي؟ أكد غورباتشوف في أكثر من لقاء أنه كان في الإمكان إنقاذ الاتحاد السوفياتي من الانهيار، لكن بشروط، إذ يقول: "لا أزال متمسكاً برأيي أنه لو جرى إلغاء المركزية، وإشاعة الديموقراطية لبقي الاتحاد السوفياتي، وكنا قريبين من إعداد أساس جديد. وكان من المفترض أن توقع معاهدة تشكيل اتحاد الدول المستقلة، كفيديرالية لا مركزية، مع الجمهوريات التسع المتبقية في الاتحاد السوفياتي بعد استفتاء 1991. وهذا ما صعّد نشاط خصومها الكثر". هل يحن غورباتشوف إلى الاتحاد السوفياتي؟ قال غورباتشوف في حوار أجرته معه صحيفة "الحياة" حول حنينه إلى الاتحاد السوفياتي، (نشر في 27 شباط/ فبراير الماضي): "طبعاً، وبكل تأكيد، أحنّ إلى الاتحاد السوفياتي، لكن عليّ أن أعطيك إجابة أكثر دقة: أحن إلى أي حركة باتجاه اندماج أكثر وتحرك أكبر، وتعاون أعظم بين دول الاتحاد السوفياتي السابق. وبالنسبة إلى تلك الدول، مثل روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا، فإنها كانت تريد أن تنشئ اتحاداً مالياً واقتصادياً، وقمنا وقتها بجمع أكثر من 70 في المئة من الأوراق والمستندات اللازمة التي لا بد منها للبدء بذلك المشروع. لكن، بعد ذلك، خرجت أوكرانيا عن هذا الاتفاق. ولو تمكنت هذه الدول الأربع من الحفاظ على هذا الاندماج، لاستطعنا أن نؤدي أكثر من 80 في المئة من النجاح في خدمة هذا الاتحاد. لكن، لا تزال روسيا البيضاء وكازاخستان وأوكرانيا قريبة جداً من روسيا، والصلات بينها قديمة جداً". المحاولة الانقلابية في الاتحاد السوفياتي بعد الاستفتاء الشعبي الذي جرى في آذار (مارس) 1991 حول الحفاظ على الاتحاد السوفياتي وتصويت الغالبية بالحفاظ عليه باستثناء الجمهوريات الست (ليتوانيا ولاتفيا واستونيا وجورجيا ومولدافيا وأرمينيا) التي كانت أعلنت استقلالها، قام الرئيس غورباتشوف وزعماء الجمهوريات التسع المتبقية (روسيا الاتحادية وأوكرانياوبلاوروسيا وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزيا وأذربيجان وتركمانيا) بتنسيق مشروع معاهدة تشكيل اتحاد الدول المستقلة كفيديرالية لا مركزية. وكان من المقرر أن تنضم تلك الدول في 20 آب (أغسطس) من العام ذاته إلى المعاهدة. لكن هذه المعاهدة أثارت استياء المسؤولين عن الدفاع والأمن في مجلس وزراء الاتحاد السوفياتي، وبينهم وزير الدفاع دميتري يازوف ووزير الداخلية بوريس بوغو و رئيس لجنة أمن الدولة (كي جي بي) فلاديمير كريوتشكوف، فشكلوا لجنة الدولة لحالة الطوارئ ضمت ممثلي الحكومة وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وجرت محاولة إقصاء غورباتشوف عن الحكم في 19 آب (أغسطس) 1991 الذي كان يقضي عطلته الصيفية في القرم. نتائج محاولة الانقلاب... ونهاية الاتحاد السوفياتي بعد ثلاثة أيام من إعلان محاولة الانقلاب، عاد غورباتشوف من القرم فاعتقل أعضاء لجنة الدولة لحالة الطوارئ. وأعلن في موسكو الحداد على الموتى الذي سقطوا في التظاهرات المناهضة للانقلاب. وفي 23 آب (أغسطس) وقع يلتسين مرسوماً يقضي بوقف نشاط الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي. وفي واقع الأمر، فإن الاحتجاج على إقصاء رئيس الاتحاد السوفياتي عن السلطة تحول إلى دعم استقلال روسيا الاتحادية برئاسة يلتسين، الذي كان انتخب في حزيران (يونيو) من العام ذاته رئيساً لروسيا الاتحادية. وبعد حملة اعتقالات أعضاء اللجنة، انتحر وزير الداخلية بوريس بوغو وتبعه مارشال الاتحاد السوفياتي سيرغي اخرومييف الذي عمل مستشاراً لرئيس الاتحاد السوفياتي، والذي أصبح تفكك الاتحاد بالنسبة إليه كارثة شخصية. وفي 26 كانون الأول (ديسمبر) 1991 عقد الاتفاق بين رؤساء كل من روسيا وبلا روسياوأوكرانيا حول الإنهاء الرسمي للاتحاد السوفياتي. وأصبحت كل جمهورياته جراء ذلك مستقلة، وقدم غورباتشوف استقالته من منصب رئيس الدولة بعد ذلك بيوم واحد، واعتبر ذلك رسمياً نهاية تاريخ الاتحاد السوفياتي. جائزة نوبل بعد تخلي غورباتشوف عن سياسة انتقاد الغرب والتلويح بتهديده، تمكن من طي صفحة الحرب الباردة التي استمرت نحو أربعة عقود، وأطلق برنامجاً إصلاحياً على الصعيد الداخلي والخارجي، يرتكز على إعادة بناء الدولة، فيما أطلق مزيداً من الحريات السياسية. وحصل بعدها على جائزة "نوبل" للسلام عام 1990. حال غورباتشوف بعد مضي عقدين على انسحابه من العمل السياسي؟ يشغل غورباتشوف منذ كانون الثاني ( يناير) 1992 حتى الوقت الحاضر منصب رئيس المؤسسة الاجتماعية الدولية للدراسات الاجتماعية - الاقتصادية والسياسية (صندوق غورباتشوف). كما يشارك في الأنشطة العامة والخيرية. الاتحاد السوفياتي (1922- 1991) يحفظ الروس عن لينين مقولته الشهيرة: "من خان رفيقه فقد خان القضية"، ويتساءلون: هل يعد سقوط الاتحاد السوفياتي في عهد غورباتشوف خيانة لرفيقه الأكبر لينين والقضية، أم أن السقوط كانت حتمياً بسبب الأحوال الاقتصادية التي أرهقت الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت إضافةً إلى بحث دوله عن الاستقلال؟ المصدر صحيفة الحياة