توصل خبراء ألمان أخيراً إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيضرّ باقتصادها في شكل مؤكد، خصوصاً في ما يتعلق بخسارة موقعها المالي المميز، إلا أنه سيسبب أيضاً ضرراً للاقتصاد الأوروبي عموماً والألماني خصوصاً، لأن ألمانيا ترسل ثلث صادراتها الأوروبية إلى السوق البريطانية. وأفاد تقرير لمعهد البحوث الاقتصادية التابع لاتحاد النقابات العمالية الألمانية (إي أم كا)، بأن الخروج البريطاني «لن ينعكس سلباً على اقتصاد ألمانيا خلال العام الحالي الذي يسجل نمواً نسبته 1.6 في المئة، بل خلال العام المقبل. إذ توقع خبراء أن يتراجع النمو إلى 1.3 في المئة بخسارة ثلاث نقاط عما كان منتظراً. علماً أن عامل الاستهلاك الداخلي سيبقى المحرك الأول للنمو في ألمانيا. وعلى المستوى الأوروبي، سيحقق متوسط النمو في دول الاتحاد 1.6 في المئة هذه السنة بعدما نما بنسبة 1.5 في المئة عام 2015. فيما يُرتقب أن يتراجع بدوره إلى 1.2 في المئة. ولحظ تقرير المعهد أن سوق العمل الألمانية «لن تتأثر ب «بركزيت» هذه السنة، لكن سيكون التأثير ملموساً العام المقبل. وأشار إلى أن متوسط عدد العاطلين من العمل «سيستمر في الانخفاض هذه السنة بمقدار 60 ألف شخص جديد، على رغم تواصل الهجرة واللجوء إلى ألمانيا. لكن البطالة فيها سترتفع مجدداً العام المقبل، بفعل الانكماش الاقتصادي الناتج من «الخروج» لتتجاوز عتبة 3 ملايين عاطل من العمل. واعتبر المدير العلمي للمعهد غوستاف هورن، أن «التداعيات السلبية المتوقعة في ألمانيا بسبب خروج بريطانيا، لن تكون كارثية لكن ستكون موجعة بما فيه الكفاية». وأعلن صندوق النقد الدولي الرأي ذاته في تقريره السنوي الأخير، وأشار فيه إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد «يشكّل محذوراً لألمانيا أيضاً بفعل علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع بريطانيا». وقالت خبيرة ألمانيا لدى الصندوق إنريكا ديتراغياشه، إن صندوق النقد «سيخفّض قريباً توقعات النمو المنتظر في ألمانيا كأكبر اقتصاد أوروبي». وطالب صندوق النقد الدولي كما مدير المعهد هورن الحكومة الألمانية ب «تعزيز الاستثمارات الداخلية لتحريك الاقتصاد والنمو». وفي وقت شدد هورن على أن الشروط متوافرة لزيادة الاستثمارات الحكومية في الداخل، «وأهمها انعدام وجود فوائد على القروض التي يمكن أن تستدينها الدول حالياً»، رأى صندوق النقد في تقرير صدر نهاية حزيران (يونيو) الماضي، أن «ألمانيا التي تدعو إلى إصلاحات داخل الاتحاد الأوروبي، تحتاج هي نفسها في شكل عاجل إلى إصلاحات لمواجهة مشكلة تقدم سكانها في العمر». وفي انتقاد مباشر وواضح، كتب الصندوق الدولي في تقريره الأخير حول ألمانيا، أن «السكان الألمان يتقدمون في السن، وأن إمكانات النمو تتراجع»، معلقاً بسخرية على بلد «يوزع التوجيهات على صعيد الإصلاحات البنيوية داخل الاتحاد الأوروبي، في حين يحتاج هو أيضاً إلى قدر كبير من الأدوية التي لا يتردد في وصفها لجيرانه الأوروبيين». وتُضاف إلى ألمانيا دول أوروبية أخرى، لا يُستبعد تعرّضها لتضعضع أكبر في أوضاعها، وفق واضعي الدراسة في معهد البحوث الاقتصادي «إي أم كا». وذكر هؤلاء أن «دولاً وشركات في جنوب أوروبا ستتأثر بالاضطرابات المتوقع أن تشهدها الأسواق المالية الأوروبية بعد قرار بريطانيا بالخروج، أولها إيطاليا المرجح أن تُصاب بالركود الاقتصادي، وثانيها اليونان التي ستتعرض إلى كساد جديد». بموازاة ذلك، خفّضت وكالات التصنيف الدولية المعترف بها تقويمها لوضع بريطانيا الاقتصادي المتوقع. إذ خفّضت وكالة «ستاندرد أند بورز» التصنيف من AAA إلى AA، ووكالة «فيتش» من AA+ إلى AA فقط. وأوضحتا أن «أفق بريطانيا أصبح سلبياً» بعد تصويتها على الخروج من الاتحاد الأوروبي. ورجح كل من الوكالتين «حدوث انعكاسات سلبية على الاقتصاد البريطاني، وعلى الوضع المالي للدولة».