بخلاف السنوات الماضية، سيحل قطاع الاستهلاك في ألمانيا هذه السنة محل قطاع الصادرات لدعم مسار دخول البلاد في مرحلة نقاهة اقتصادية. وفيما أعلن اتحاد التجارة الخارجية وتجارة الجملة عن تراجع كبير في مردود الصادرات الألمانية، أفادت مؤسسة الاستهلاك الألمانية بأن مؤشرها الأخير عن حجم الاستهلاك الداخلي ارتفع في آب (أغسطس) 3،4 نقطة، متوقعة أن يبلغ 3،7 نقطة في أيلول (سبتمبر) الماضي. وانتقد وزير المال الأميركي تيموثي غايتنر ألمانيا في شكل غير مباشر، خلال حديث الى مجلة «تسايت» الألمانية نشر أمس، لاعتمادها على قطاع الصادرات، ودعا أوروبا إلى ضرورة الخروج من هذا الارتهان. وبعد أن أشار إلى أن الصين «بدأت مرحلة تفكير في كيفية فك تبعية اقتصادها للصادرات والاستثمارات»، نبَّه إلى أن المستهلكين الأميركيين «سيخفِّضون الطلب على البضائع الأجنبية» في السنوات المقبلة. ومعروف أن الاستهلاك شهد جموداً كبيراً في ألمانيا خلال العقد الماضي، بل انخفاضاً ملموساً في السنوات الأخيرة. ويعتقد خبراء أن حركة الاستهلاك القوية الحاصلة أخيراً، ناتجة في الدرجة الأولى عن زيادة الأجور التي أقرت العام الماضي وهذه السنة في شكل مرتفع عموماً، إضافة إلى علاوة شراء السيارات الجديدة وتنفيذ برامج الدعم الاقتصادي الحكومية، ما أنعش حركة الشراء في شكل لم تعرفه المانيا في السنوات الماضية. ولفتت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية (الغرفة)، إلى أن عدداً من المصارف والشركات الكبيرة ومعاهد البحوث الاقتصادية الألمانية سارع في الفترة الأخيرة إلى تصحيح معدلات النمو المنتظرة هذه السنة والسنة المقبلة، فتوقع معهد «إيفو» لبحوث الاقتصاد في ميونيخ للسنة الحالية، نمواً سالباً نسبته 5،4 في المئة بدلاً من 6 في المئة كانت تنتظرها الحكومة الألمانية أيضاً، في مقابل نمو إيجابي في السنة المقبلة من واحد في المئة بدلا من 0،3 في المئة سالباً كتقدير سابق. وأعلن أكبر مصرف في ألمانيا، «دويتشه بنك»، أنه يتوقع عجزاً في نمو اقتصاد البلاد من 5،2 في المئة هذه السنة ونمواً فعلياً من 1،4 في المئة عام 2010 بدلا من 0،4 في المئة كتقدير سابق. ورجح خبير معهد «كوميرتس بنك» رالف سولفين نمواً سالباً هذه السنة من 5 في المئة فقط، في مقابل نمو إيجابي من 2 في المئة السنة المقبلة، مضيفاً أن النمو الاقتصادي في النصف الثاني من السنة الحالية «سيكون قوياً». ورأى رئيس معهد الاقتصاد الكبير وبحوث النمو «إي إم كا» غوستاف هورن، أن الخبراء «لا يتوقعون انتعاشاً حقيقياً يقفز من ارتفاع الى ارتفاع، بل مسيرة طويلة متعرجة». وإذ تبنى رئيس معهد «إيفو» هانس فرنر زن الرأي القائل بأن الانتعاش الحالي «يقف على رجلين ضعيفتين»، انضم إلى هورن لمطالبة الحكومة «بإقرار برنامج دعم حكومي ثالث لتقوية عصب الانتعاش». لكن التوافق على هذا المطلب غائب بين خبراء الاقتصاد، وقد رفضه كبير خبراء «كوميرتس بنك» يورغ كرامر الذي رأى أن الاقتصاد الألماني قادر بقواه الذاتية، خصوصاً في النصف الثاني من السنة، على تثبيت وضعه. وعلى عكس المستشارة أنغيلا مركل التي تظهر حذراً كبيراً تجاه ماهية الانتعاش الاقتصادي الحاصل وتدعو في الوقت ذاته «إلى عدم الإفراط في التفاؤل»، توقع وزير المال بيير شتاينبروك الذي سيستقيل قريباً بعد خسارة حزبه الاشتراكي الديمقراطي الانتخابات النيابية التي جرت قبل أسبوع، «نمواً قوياً جداً عام 2010 إضافة إلى الانتعاش الجيد الذي سيحصل في النصف الثاني من هذه السنة». لكن رئيس المصرف المركزي الألماني عضو مجلس إدارة المصرف المركزي الأوروبي أكسل فيبر، حذَّر من التفاؤل المفرط مشيراً إلى أن الأزمة «لم تنته بعد واستدامة الانتعاش لم تتأكد».