توحدت تركيا وأجهضت انقلاب العسكر. واجتاز الرئيس رجب طيب أردوغان أمس أخطر تحدٍ لحكمه في تركيا، اذ «أنقذه» أنصاره في القوات المسلحة والشرطة والشعب من انقلاب نفذّه عسكريون، شهد معارك جوية وتفجيرات وإطلاق رصاص، واشتباكات بين الجيش والشرطة، ومواجهة مدنيين جنوداً في دباباتهم، ما أوقع مئات القتلى. واعتقلت السلطات آلافاً من العسكريين، بينهم قائد الجيش الثاني الجنرال آدم حدودي، وقائد الجيش الثالث الجنرال اردال أوزتورك، وعضو المحكمة الدستورية البرسلان ألطان. كما عزلت 2745 قاضياً، تشتبه بأنهم من جماعة الداعية المعارض فتح الله غولن الذي اتهمته أنقرة بتدبير المحاولة الانقلابية، متعهدة «تطهير الجيش منها». وأثار سحق المحاولة مخاوف من احتمال سعي أردوغان إلى تعزيز حكمه والاستفادة من زخم الحدث، من خلال تنظيم انتخابات مبكرة تمنحه غالبية في البرلمان، على حساب المعارضة التي رفضت الانقلاب ودعمت الشرعية، على رغم خلافها مع أردوغان الطامح إلى تحويل النظام رئاسياً. لكن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم حرص على تبديد مخاوف المعارضة، اذ أعلن أمام البرلمان أن التعاون بين الأحزاب سيشهد «بداية جديدة»، متعهداً أن تجد قاعدة مشتركة. واعتبر أن مدبري الانقلاب ليسوا جنوداً، بل إرهابيون استهدفوا البرلمان. في السياق ذاته، دانت الأحزاب الأربعة الرئيسة محاولة الانقلاب، في بيان مشترك تُلي في البرلمان، مشددة على أن موقفها دفاعاً عن الديموقراطية في تركيا، لا يُقدر بثمن. واعتبر رئيس «حزب الشعب الجمهوري» المعارض أن دحر الانقلابيين يدفع الأحزاب أكثر إلى إيجاد قاعدة مشتركة لتعزيز الديموقراطية. رفض أحزاب المعارضة الانقلاب ساهم في دحر المتمردين، خصوصاً أن قادة بارزين في الجيش دعوا العسكريين إلى العودة إلى ثكناتهم. وبعدما بدأ الانقلاب قوياً ليل الجمعة، والذي برّره منفّذوه بضرورة «ترميم النظام الدستوري، والديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات»، تراجع هؤلاء أمام حشود موالية للحكومة، وسلّموا أنفسهم للشرطة، فيما عاد أردوغان إلى اسطنبول من مرمريس، وسط آلاف من مؤيديه، متوعداً الانقلابيين بتكبيدهم «ثمناً باهظاً». كما اعتبر أن «هذه الانتفاضة هي هدية من الله، اذ ستكون سبباً في تطهير جيشنا» من أنصار غولن، اذ اتهمه بتدبير محاولة الانقلاب. لكن الداعية المقيم في الولاياتالمتحدة منذ عام 1999، اعتبر أن اتهامه أمر «مسيء»، كونه «عانى من انقلابات عسكرية في العقود الخمسة الماضية». وأعلن وزير الدفاع التركي فكري إيشيك «دحر الانقلاب»، مؤكداً أن «لا منطقة خارج نطاق سيطرتنا». واستدرك: «علينا التحلي باليقظة. من السابق لأوانه القول إن خطر الانقلاب تلاشى تماماً». وكان رئيس الأركان بالوكالة الجنرال أوميت دوندار أعلن «إحباط محاولة الانقلاب»، مشدداً على أن تركيا «طوت صفحة» الانقلابات إلى الأبد. وأعلن يلدرم اعتقال 2839 عسكرياً، مشيراً إلى مقتل 161 شخصاً وجرح 1440، من العسكريين غير الانقلابيين ومن المدنيين، علماً أن الجيش أعلن مقتل 104 انقلابيين. وشدد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أن الحكومة المنتخبة لبلاده تحظى بدعم واضح من حلفائها في العالم. وقضى سكان اسطنبول ليلة عصيبة، توقفت خلالها شبكة الاتصالات وتعثّر استخدام الإنترنت. وتركّزت احتفالات أنصار أردوغان امس في منطقة الفاتح أمام مبنى «أمنيات» (التابع للاستخبارات العامة)، حيث وُضعت مكبرات صوت تصدح بأناشيد وأغانٍ، تتخلّلها صيحات «الله أكبر». وكان لافتاً أن وزارة الدفاع الأميركية أعلنت أن الحكومة التركية أغلقت المجال الجوي في البلاد أمام المقاتلات، وأوقفت العمليات الجوية في قاعدة «إنجرليك» في محافظة أضنة جنوباً، حيث يتمركز حوالى 1500 جندي أميركي، وتنطلق منها غارات لضرب تنظيم «داعش» في سورية. وذكرت القنصلية الأميركية أن السلطات التركية فرضت طوقاً أمنياً حول القاعدة، وقطعت الكهرباء عنها. وحض الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد لقائه مستشاريه في البيت الأبيض، جميع الأطراف في تركيا على «احترام دولة القانون وتجنّب أي عمل يمكن أن يسبّب مزيداً من العنف أو عدم الاستقرار». وأجمعت ردود الفعل الدولية، وفي دول الخليج، على ادانة الانقلاب العسكري في تركيا والترحيب بفشله. لكن ألمانيا رجّحت أن يستغلّ أردوغان الأمر لإحكام قبضته على السلطة.