أصيب المشاهد العربي بصدمة وهو يتنقل من قناة فضائية عربية إلى أخرى، واكبت أحداث الانقلاب الفاشل في تركيا، وكأن الحدث تم في أكثر من دولة وفي وقت واحد وبسيناريوات مختلفة! فبمجرد الانتقال من نشرة أخبار إلى أخرى سيستمع المشاهد إلى انتهاء الدولة التركية الحالية وانتقال السلطة إلى الانقلابيين، وفي قناة مجاورة حكومة أردوغان تسيطر، وأخرى رئيس تركيا يطلب اللجوء السياسي إلى ألمانيا، بينما ذهبت قناة أخرى إلى التأكيد أن مصير أردوغان بات في حكم العسكر. وعلى رغم أن القنوات العربية، التي اجتهدت ساعات في تغطية الأحداث ونقلت صورها من طريق قنوات تركية، وأولت الحدث اهتماماً كبيراً فإن كل هذا لم يشفع لها، إذ بات الاختلاف في التعاطي مع الحادثة منصباً في توجه القنوات تبعاً لعلاقتها مع تركيا، ففي الوقت الذي ظهر التشفي والفرح على تفاصيل تغطية قناة، أظهرت أخرى تعاطفاً كبيراً رافضة الانقلاب الذي وصفت قادته ب«الإرهابيين»، مع أن الوقت كان باكراً، ولم يعرف من يقوده أو يقف خلفه. جاءت الحادثة في صورة مفاجئة وفي وقت حرج، وضع القنوات الفضائية العربية في مأزق وهي تنقل من الفضائيات التركية، إذ افتقرت إلى وجود مترجمين للغة التركية التي تسيدت الزمان والمكان، ما دفع بقنوات إلى الاستعانة بالمحللين السياسيين، الذين ظهروا بكثافة، لتحليل الوضع الراهن، فبدلاً من أن يمارسوا التحليل السياسي والاستراتيجي تحولوا إلى مترجمين، وخصوصاً في اللحظة التي ظهر فيها الرئيس أردوغان وهو يتحدث من طريق برنامج «سكايب». أسهمت القنوات العربية في نشر الإشاعات، التي اضطرت بسببها إلى الاعتذار المتكرر من المشاهدين، فيما اكتفى بعضها الآخر بتبرير نشرها معلومات مغلوطة بأن الوضع مايزال مشوشاً، وتركزت تحليلات المحللين على تركيا ما بعد أردوغان، وتبنت قنوات هذه الفكرة وركزت عليها باعتبارها واقعاً حقيقياً جديداً، وحاولت إخراج تقارير سريعة تحكي قصص الانقلابات التركية، وأخرى عن شخصية «الرئيس المخلوع»، قبل أن يتحول في نظرها إلى الرئيس المنتصر. تركزت المشاهد التي أخذتها القنوات العربية من القنوات التركية في إظهار سيطرة الجيش على الشوارع، وازدحام السيارات على الجسور، وإعادة مشهد اختراق الطائرات حاجز الصوت مع أزيز الرصاص المتكرر، فيما كانت التعليقات وصفية للمشاهد المصورة، إذ افتقرت القنوات إلى مراسلين في الأراضي التركية، على عكس دول الصراع الأخرى، التي كان لمراسليها دور بارز في متابعة الأحداث. أظهر التضارب في المعلومات، التي تسابقت إليها تلك القنوات، انقساماً فكرياً وتركيزاً تاماً على المصالح والانتماء، بعيداً عن المهنية الإعلامية المتجردة من كل شيء، فالنقل كان لحدث واحد وكأنه من دول متفرقة وليس من دولة واحدة جعل علامات الاستفهام تملأ وجوه المشاهدين، إذ باتت القنوات الإخبارية على وجه التحديد صورة طبق الأصل لما يحدث في عالم «تويتر» من انقسام وتضارب في المعلومات، ولم تعد اللعبة الإعلامية هي المحرك الرئيس، بل المصلحة فقط.